طلال سلمان

على الطريق القتل بالحنان الأميركي!

يكاد يقتلنا الحنان ، يا مولاي!
نكاد “نفطس” لحرارة العناق وغزارة العطف!
وإسرائيل التي لا تفتأ تمنينا بأنها “لا تطمع في شبر واحد من أرض لبنان ولا بنقطة واحدة من مياهه” تكاد تزعزع وجوده كله، دولة وأرضاً ومؤسسات، بهذه “العاطفة الصادقة” التي تخصه بها، وبهذه “الرعاية الممتازة” لتوازناته الدقيقة.
ومثل المبعدين الفلسطينيين يغني عن الإفاضة في استحضار الأدلة والبراهين المؤكدة لرقة المشاعر الإسرائيلية تجاه لبنان واللبنانيين والتي لا يبزها إلا تلك المخصصة لأبناء فلسطين المجاهدين من أجل تحرير أرضهم المحتلة.
إن إسرائيل تريد أن تقتل الفلسطينيين، وفلسطين كلها، بالأيادي اللبنانية!
بل هي تريد أن تقتل جميع العرب ولكن من دون أن “يضبطها” أحد متلبسة بالجرم المشهود بحيث تتشوه صورتها كواحة للحضارة الغربية والديموقراطية الغربية وحقوق الإنسان في الأرض العربية،
على هذا فهي تريد وتعمل لأن يقتل كل عربي أخاه، أو يظهر في الصورة وكأنه القاتل في حين يبقى قاتل الجميع (الإسرائيلي) خلف الكاميرا.
وبين “إنسانية” المارينز الأميركاني و”عدالة” جيش الدفاع الإسرائيلي يحاصر الإنسان العربي من دون أمل بخلاص قريب،
فالصومال هي “المطهر” العربي للأميركي الذي سفح دم العربي الآخر في العراقن وهم يملأون الهواء بصورهم الإنسانية الأخاذة: يطعمون طفلاً، أو ينقذون عجوزاً، أو ينعشون شباب امرأة بلا معيل!
أما في العراق فيموت الأطفال لنقص الأدوية، ويتهاوى الرجال والنساء لنقص الغذاء، ويستمر الحصار الأميركي – المغطى بالتواطؤ العربي وبالشرعية الدولية – ويشتد بذريعة تأديب صدام حسين الذي كان حتى غزوه الكويت المعتمد الأميركي الأول في المنطقة.
وها هي الكارثة الجديدة في ليبيا تعطي الدليل الساطع على خطورة أن تتحكم قوة طغيان وعسف بالشرعية الدولية وتستخدمها لأغراضها ومصالحها المباشرة.
وكارثة طائرة الركاب الليبية ليست أولى ثمار الحصار الأميركي المموه بقرار من الشرعية الدولية، ولن يكون المائة وثمانية وخمسون مواطناً آخر الضحايا الذين يسقطون بسبب نقص قطع الغيار، أو بسبب افتقاد الأدوية، أو بسبب توقف المستشفيات عن تقديم خدماتها لمحتاجيها، أو بسبب الشلل العام الذي يعطل الدولة والمؤسسات الخاصة.
ومن فلسطين يطرد الاحتلال الإسرائيلي أهل البلاد والنخب من مثقفيها وفيهم الطبيب والمهندس والمحامي ورجل الدين والجامعي، بذريعة أنهم يهددون “الأمن الإسرائيلي” من خلال جهادهم لتحرير أرضهم، فلا تتحرك الشرعية الدولية إلا من باب رفع العتب… والعتب صابون القلوب!
حتى والإسرائيلي يطلق النار على هؤلاء العزل، فوق الأرض اللبنانية التي يحتلها، برغم أنهم لا يملكون إلا غيمانهم بحقهم، تتصرف القوة الأميركية القاهرة، ومن خلفها الشرعية الدولية، وكأنها لا ترى ولا تسمع، فإن أحرجت اكتفت بالدعوة لضبط النفس.
لقد تبدت إسرائيل مرة أخرى، على لسان أكبر المسؤولين فيها، في صورتها الحقيقية: قوة إرهاب وبطش منظم، ليست لمؤسساتها “الديموقراطية” و”القانونية” أية قيمة فعلية… فالشرطي يأمر القاضي، وزعيم العصابة الإرهابية يأمر الشرطي، والشرطي يقتل من لا يروق له من الناس، أهل البلاد.
كذلك فقد تبخرت كل تلك “القوى الديموقراطية” من “حركة السلام الآن” إلى أحزاب “اليسار” – مع التنويه بأن رابين “اشتراكي” ومثله حزبه الحاكم -، وهي التي كان يستخدمها الحكم في تل أبيب “ممسحة” لتنظيف وجهه وإعطائه مسحة من “العصرية” و”العلمانية” والانتماء إلى المجتمع الغربي الديموقراطي.
كأنما “الفصل السابع” في ميثاق الأمم المتحدة مخصص للعرب فقط: يستخدم مرة ضدهم في العراق، ومرة أخرى ضدهم في ليبيا،
ويترك لإسرائيل أن تستخدم قوتها في أي مكان شاءت، وبأي أسلوب شاءت مطمئنة إلى أنها خارج دائرة العقاب، بل وتعطى في حالات كثييرة منصب المدعي العام وربما القاضي.
والسؤال: إلى متى يظل العرب يموتون بالتقسيط، أو ببطء، وكل يوم، وفي كل أرضهم؟!
وإلى متى يظل بعضهم يندفع مطالباً بمزيد من “الحنان” الأميركي القاتل، أو بمزيد من “الرعاية” الإسرائيلية المهلكة؟!
يكفينا حناناً أيها المرشحون للموت حتى وأنتم تقبلون الذل الأبشع من الموت وأنتم تسعون إليه؟!
أليس كذلك يا طويل العمر؟!

Exit mobile version