طلال سلمان

على الطريق “الغريب” في القليعات واللجنة الثلاثية بين الحلال والحرام!

مرة أخرى تجتمع اللجنة العربية الثلاثية، على هامش
اجتماع آخر، لتعرض مستجدات الوضع في لبنان، من غير أن تكون لها خطة من أي نوع لعلاج هذا التدهور البلاد حد.
وإذا كانت “الحرب على الشرقية” تفرض الشلل على “اهل الطائف” في لبنان، وهم أهل الحكم فيه، فإن تناقص حماسة “أهل الطائفة” الأصليين لإنجازهم “التاريخي” قد أسهم في ضرب زخم العهد الجديد و”كبر رأس” المتمردين والخارجين على الشرعية والمنادين بإسقاط اتفاق الطائف بالقتل العمد أو بالتعديل المميت.
ومن الملفت أن يتزامن قرار التخلي الدولي عن ميشال عون مع قرار التبني “العربي” لسمير جعجع والمراهنة عليه كمنقذ للشرعية ولو على حساب اتفاق الطائف.
الفارق إن عون يوجه مدافعه إلى هذا الاتفاق فإن أسقطه فعلاً أسقط قبله الحكم الذي جاء باسمه، أما جعجع فيجاهر بتأييد الحكم مع التحفظ على اتفاق الطائف، أي يأكل الثمرة ويقطع الشجرة.
كان عون يريد احتكار “القرار المسيحي” ، أما جعجع فيقول بدمج القرار المسيحي مع صلاحيات رئيس الجمهورية، ولأنه “الأقوى على الأرض” يصبح متحكماً بالجمهورية كلها من خلال كونه “جيش المسيحيين” ومؤسستهم السياسية الجديدة.
وكما في بيروت كذلك في الرياض والرباط والجزائر (ولو بنسبة أقل): الكل يقف مكتوب اليدين في انتظار جلاء وقائع الحرب المدمرة على الشرقية…
قبل اتضاح النتائج: لا تدخل، لا مساعدات، لا هبات ولا صدقات أو إعاشة لأبناء السبيل اللبنانيين، ولو تحت عنوان الزكاة والتقرب من الله تعالى في هذا الشهر الفضيل.
والنتائج أنواع.. البعض يريدها لحسابه ولمصلحة جماعته وخطه، بحيث لا تكون حصة سوريا فيها أكثر مما يجوز “حتى لا تكبر علينا”،
والبعض الآخر يريدها وسيلة لتصفية حسابات قديمة،
وقد لا يكون من المبالغة الافتراض إن بعض العرب لا يريدون (ولعلهم يعملون) أن يسقط ميشال عون بسرعة، فيحرمهم فرصة ابتزاز سوريا… وماذا يعني أن يكون ثمن التأخير آلاف القتلى من “الأشقاء اللبنانيين” وبضعة مليارات من الدولارات كخسائر في الممتلكات والمرافق ومكونات البنية التحتية.
لقد أخفق ميشال عون في حربه التحريرية التي انتهت بتدمير “المجتمع المسيحي”،
لكن أطرافاً أخرا محلية عربية تحاول، في ما يبدو، تحقيق الأهداف ذاتها بوسائل سياسية،
ولعل المملكة العربية السعودية قد استطاعت أخيراً ، وبعد استشارة المؤسسات الديموقراطية جميعاً، كمجلس النواب ومجلس الشيوخ والأحزاب والمنظمات الشعبية، أن تبت في أمر خطير من نوع: أهو حلال أم مرام أن نمنح بعض الأحذية لجيش شرعية اتفاق الطائف؟! وهل يجوز أم لا يجوز أن نساعد في مد أنابيب المياه لنسقي المؤمنين الصائمين في الفترة بين الإفطار والإمساك في رمضان المبارك!!
“الغريب” وعش السنونو..
لغة الحرب لاغية للإنسان، للعقل، للمنطق وطبعاً للحق والحقيقة، وحتى للعين ذاتها.
ربما لهذا يكثر “العميان” بين اللبنانيين،
ربما لهذا يبدو البلد وكأنه مستشفى أو محجر صحي للمجانين والمجاديب والبلهاء والمعاقين والمتخلفين و”المنغوليين”،
ربما لهذا تذهب عينك، أول ما تذهب، حين تلتقي كبيراً (بقوة الموقع أو بفعالية القوة) إلى “نكش” مكمن التخلف والاعاقة في شكله أو مضمونه… وفي الغالب الأعم “يباغتك” حجم الاعاقة الهائل فترتد عينك إليك وهي كليلة!
والحرب “الحديثة” حربان: تلك التي تجري في ميدانها الأصلي (؟) وتلك التي تجيئك حيث أنت، تجتاحك فتدمي فؤادك قبل عينك، وتشعرك بالصغارة والمهانة وتستنزف إنسانيتك وربما حوّلتك إلى وحش كاسر… إذ يفقدك التعود روح الغضب والتمرد ورفض الأمر الواقع، ويحيلك العجز إلى متبلد فإلى متشف فإلى سادي تستمتع بعذاب الآخرين بقدر ما تعذب ذاتك.
نماذج لغة الحرب أكثر من أن تحصى، بل إن ما هو خارجها نادر و”مريب”،
خذ القليعات وما جرى فيها مثلاً…
كان هم كل طرف من طرفيها السفاحين أن يثبت إنه قد انتصر،
وفي حين كان كل طرف يحاول اتهام الآخر بتدمير قسم أكبر من القليعات، ويعرض عليك بالصورة الملونة ما دمره الآخر، كان يقفز من فوق حقيقة بسيطة: إن القليعات قد صارت حطاماً وأشلاء بيوت وذكريات مغفورة الجنبات وجنى أعمار منخور بالصواريخ والقنابل الحارقة.
كلاهما قد انتصر فعلاً على القليعات وأهلها،
تماماً كنصر المنتصرين على بلدات إقليم التفاح وقراه الجميلة،
كلاهما انتصر بقتل الجنة.
طار القرميد الأحمر الذي كان تعشش فيه السنونو، وانتثرت مزق أسرة العائلة، وداست أقدام “الذين يجرؤون” صور الطفولة، ووجدت الدبابات مأواها خلف المدفأة أو في قلب الحديقة الشتوية!
على هامش القليعات ووقائعها: صرخ مواطن كسرواني قح بلهجته المميزة بالأشاشة: اش من يعمل هـ “الغريب” هون، خليه يروح على ضيغته!
صار الماروني ابن بشري هو “الغريب” لدى الماروني ابن كسروان، فكيف بالروم الأرثوذكس ابن الأشرفية، حتى لا نقول المسلم، لبنانياً كان أم سورياً أم فلسطينياً يسعى بالخير بين المردة والجراجمة؟
على الهامش أيضاً:
سجلت “القوات” إن مصالح الأرمن وبنيتهم متميزة ومتمايزة عن “أشقائهم” اللبنانيين.
على إن الأرمني المسكين الذي أوقف أمام الكاميرا قد اكتفى بتجهيل الفاعل المسؤول عن تدمير هذه المصالح والبنية، وفيها الكنيسة والمدرسة والمتاجر والبيوت المتاخمة لحدود “الأشقاء اللبنانيين”… المسالمين!
نورنا يا شيخ زايد..
يستذكر كبار المسؤولين السوريين، عند الحديث عن التضامن العربي، خبر تلك البادرة الطيبة التي صدرت عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال حرب رمضان المجيدة (تشرين 1973) ويعيدون روايتها بتقدير لصاحبها ولفعالية التضامن بين الأشقاء.
كان الشيخ زايد، يومذاك، في بريطانيا.
ولقد عرف إن طيران العدو الإسرائيلي قد استهدف، ببعض غاراته، المنشآت الحيوية في سوريا، وبينها محطات توليد الطاقة الكهربائية،
كانت سوريا كلها، ودمشق بالذات، مهددة بالعتم المطلق،
وكان لا بد من حل فوري يعزز صمود هذا القطر العربي المقاتل وهو يخوض معركة الشرف،
وتحرك الشيخ زايد بغير طلب من أحد: استدعى سفيره، آنذاك ، في لندن مهدي التاجر، وطلب منه العمل على توفير أكبر عدد ممكن من المولدات وشحنها على وجه السرعة إلى دمشق، وبالطائرة، مهما بلغت التكاليف.
ويروي الشيخ زايد بنفسه بعض التفاصيل فيقول:
“- لم تكن طفرة أسعار النفط قد أدخلتنا نادي الأغنياء، بعد وسألت عن أرصدتنا في مصارف بريطانيا فقالوا إنها ضئيلة، فكان إن استلفنا منها – بضمانتي شخصياً – ثمن المولدات وتكاليف شحنها وتركيبها وتشغيلها بأقصى سرعة ممكنة، وهكذا كان، وشعشعت دمشق بالنور من جديد، بينما المعارك مستمرة على الجبهة”.
اليوم، وبينما لبنان يغرق في العتم، بأفضال جنرال العتم والمستفيدين من العتم، يتوجه اللبنانيون إلى أشقائهم العرب، وبالذات أصحاب المبادرات الطيبة منهم، بأمل أن ينجدوهم بالنور…
فأكثر ما يحتاجه اللبنانيون (وسائر العرب) النور ليتبينوا سواء السبيل،
ومن أين يأتي النور والأمل والحل إذا ما استمر هذا الديجور العربي، واستمر تعطيل التضامن العربي كمولد للسلام الوطني والقومي في لبنان وخارجه.
تسللا عاد إلينا نيسان ومطره الذي يحيي الإنسان..
ائتمر الغيم، من فوق بطاريات المدافع والصواريخ والمغاوير وقوة الصدم وغرف العمليات، وجاءه الهواء البارد خلسة فأسقط مطره مدراراً،
مرقت حبال المطر عبر القذائف والقنابل العنقودية والحارقة، فغمرة الأرض بالرواء.
بعث الجنرال مخابراته لاعتقال المطر، وبعد استجواب قاس اطمأنت المخابرات فطمأنت الجنرال إلى أن المطر لا يعرف ما هو اتفاق الطائف ولم ينزل لإسناد “القوات اللبنانية”،
أما “الحكيم” فقد أحال الأمر على لجنة خاصة لدراسته وإعداد تقرير فوري عنه، فلما رفعت إليه رأيها هدأت مخاوفه، واطمأن إلى أن الجنرال أقصر من أن يطال السماء فيعترصها مطراً!
أما الفلاحون وأبناء الأرض فقد رأوا في مطر نيسان بشارة خير بقرب انتهاء عصر القحط واليباس والجفاف القاتل.
… “الطائف” في بيروت،
هل جاء أوان “السيل الكبير”؟!

Exit mobile version