طلال سلمان

على الطريق العماد يقاتل الاصلاح متحالفاً مع “مين ما كان”!

فتح العماد ميشال عون قلبه، أمس، وقال لنا ما يشغل باله وفكره ووجدانه المرهق،
وحسب العماد فإن مشكلته الأولى تكمن في اسمه ولقبه ووظيفته، ولذلك استهل مؤتمره الصحافي بأن قدم نفسه، ولقد أخذ العالم علماً بالأمر،
أما مشكلته الثانية فتكمن في أن العالم لا يستجيب لمطالبه برغم أنه يزعم العالم،
وحسب العماد فإن الحل يكون بالاستعداد “لأن نمد يدنا لأي كان، لأي كان، كي يخلص قضيتنا”.
وتمثلاً بحكيم “وزارته” العميد الركن أبو جمرة فقد ختم العماد عون كلامه المقنع هذا بشعار عهده: نقطة ع السطر!
المشكلة الثالثة عند العماد هي حسبه ونسبه، ولذلك فقد استعان بتاليران فحلها له، تاليران رد على من سأله: من أجدادك؟! فقال: أنا أجدادي! وميشال عون اقتبسها منه: ميشال عون هو أجداد ميشال عون.
المشكلة الرابعة تحديد الهدف، ولقد حلها العماد بأن أكد لنا فطمأننا إن التهدئة ليست هدفه وكذلك المرافئ أو المعابر، بل الانسحاب السوري هو الهدف!
المشكلة الخامسة مصير بيروت، ولقد حسمها العماد بأسلوبه العسكري الفذ: وماذا يهم أن تدمر بيروت وأن تمسح عن الخريطة بأهلها؟! إن هذه البيروت تقوم على أنقاض 7 أو 8 بيروتات، فماذا لو زالت هذي لكي تقوم بيروت التاسعة… عصرية، نظيفة، تعمل على الكومبيوتر ، وناسها “غير شكل”؟!
فلما ألح السائل القلق على مصير بيروت نهره الجنرال، واكتفى بأن قال: لا جواب عندي على هذا السؤال!
المشكلة السادسة التي حلها، بمثل السحر، غالعماد عون تتصل بالاصلاح السياسي!.
قال الجنرال: مش وقته!! فهل يمكن تحقيق الاصلاح تحت فوهة المدفع؟! وهل يمكن إجراء الانتخابات تحت فوهة المدفع؟!
ولكن الجنرال نسي تفصيلاً بسيطاً، وجل من لا ينسى. نسي أن يحدد لنا من أطلق فوهات المدافع ولماذا؟!
أما التفصيل الأهم فيمكن تلخيصه بالسؤال التالي: ترى متى يكون الموعد “الطبيعي” للاصلاح؟!
في ظل الهدنة والهدوء يقولون: أترون؟! إننا بألف خير من دون إصلاح، والفتنة في غياب الاصلاح نائمة، والقائل بالاصلاح يوقظها فتحل عليه اللعنة!!
أما في زمن الحرب فيقولون باستهجان: أهذا وقتها؟! ولو… الناس يموتون في بيوتهم، حيث تحاصرهم القذائف، وأنتم تمارسون ترف الحديث عن الاصلاح؟!
الجديد إن العماد قد ضم الانتخابات الرئاسية إلى الاصلاح، في خانة المستحيلات، جنباً إلى جنب مع الغول والعنقاء والخل الوفي!
أما مطالب العماد عون فأبسط من مشكلاته،
إنه يريد من العالم كله أن يتحرك لنجدته، وأن يبعث بجيوشه وأساطيله لمساعدته في تحرير لبنان من الاحتلال السوري!
وهو يريد شطب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين،
لا يهم أين تقف هذه الأكثرية، وما هي مطالبها، وهل هي معه أو ضده، هل تقره على حربه التي تتسبب في تدمير ما تبقى من البلاد وأرزاق العباد، أم تصر على الاعتراف بها وعلى انتزاع حقوقها المشروعة والمنصوص عليها في شرعية حقوق الإنسان…
“لقد استلمنا الجنرال عون في الجورة” وهو يريد إخراجنا من الجورة.
ولكنك تعمق الجورة، يا جنرال، وتصل بها إلى حدود جهنم، فكيف يكون الخروج؟!
وهو يريد أن “يخلع” الرئيس حافظ الأسد، فطالما إنه “بلش” بالتحرير فلماذا يقصره على لبنان ويضن به على سوريا الشقيقة؟!
ثم إنه يريد تدويل النزاع… يصوره بين “دولتين”، ثم يستدعي الدول التي يستغرب الجنرال تقاعسها وانشغالها عنه فيددها – جميعاً – بتركها والاندفاع نحو “مين ما كان”،
“مين ما كان” عون هو “الشيطان” في لغة الشيخ بيار الجميل طيب الله ثراه. وقد ذهب الشيخ وأبناؤه وحلفاؤه إليه ، وأتوا به إلى كرمنا، وما زلنا ننعم ببعض أفضاله حتى اليوم،
فهل ترى العماد يريد أن يكرر التجربة المرة التي يحفظ لآل الجميل فضل الريادة فيها، مع إن الرواد الأوائل كانوا من آل شمعون وآل عدوان وهم الآن بين ركائز حكم العماد عون؟!
العماد مستعد للتعاون مع “مين ما كان” لطي صفحة الاصلاح السياسي،
والعماد ديموقراطي جداً بدليل أنه بصدد استدعاء “مين مام كان” لطي صفحة الانتخابات الرئاسية.
والعماد يعطل الحياة السياسية في البلاد، وهو الذي يفترض نفسه مؤتمناً على استمراريتها وتوفير السلامة لها بتأمين الجو الصحي الضروري لإجراء انتخابات تعطي البلاد رئيساً جديداً للجمهورية،
والعماد يعطل الآن دورة الحياة الطبيعية في البلاد بأسرها، التعليم والاقتصاد، التجارة والزراعة، الصناعة والمصارف،
العماد يطلق وحش الحرب في جولة أعنف وأشرس من كل ما عهدنا، ثم يمن علينا بأنه سيبني لنا على أنقاض بيروت الحالية عاصمة جديدة بالاسم القديم ذاته: بيروت،
وقديماً فعلها نيرون، ربما لأن شكل روما القديمة لم يعجبه،
ولقد حرر نيرون روما بالفعل من أهاليها… وهذا ما يحدث لبيروت، أميرة الحزن العربي، الآن.
الجنرال يقول كثيراً هذه الأيام، ويتحدث بمختلف لغات الأرض،
لكن الموضوع يظل هو هو: إن مشكلة الجنرال بدايتها ونهايتها في لبنان ومع اللبنانيين،
إن له مشكلة معلقة ومزمنة مع البطريرك الماروني،
وله مشكلة غاية في التعقيد مع جموع السياسيين والنواب المسيحيين، والموارنة منهم بشكل خاص، بشهادة بيانات بكركي، قبل تفجير حرب العماد وبعدها،
وله مشكلة هي أشبه بالقنبلة الموقوتة، مع “القوات اللبنانية”، فهي تدفشه ليذهب في لعبة “الرويت الروسية” إلى مداها، فرحة بأنه يتبنى منطقها، ويخوض حربها، ويعجل بالرحيل وليس غيرها من وريث.
… بعد ذلك يمكن الانتقال إلى “الغربيثة” ومن فيها، وقضاياها التي لم يعد يمكن طمسها أو تجاوزها أو تأجيل البت فيها، وأولها وآخرها الاصلاح السياسي وإعادة صياغة النظام بحيث تكون الدولة لكل مواطنيها وبحيث لا يصل إلى السلطة، بالدبابة الإسرائيلية، أو بالمصادفة القدرية الساخرة، من يدمر البلاد برعونته أو بخفته أو بهوسه أو بتجاهله لحقائق الحياة.
وستظل الحرب في نظر اللبنانيين حرباً على الاصلاح، على التغيير الضروري، ولو بالحد الأدنى، لكي يبقى الكيان وتتوطد دعائم دولته، ولكي يكون الجيش جيش اللبنانيين وعدتهم لتحرير أرضهم من العدو الإسرائيلي وليس عنصراً من عناصر الفتنة في الداخل، أو عاملاً من عوامل الفرقة والافتراق عن هويتهم العربية.
إنها حرب العماد على الاصلاح، حربه على الغد، والعماد على قوته الجبارة أضعف من أن يهزم التاريخ.

Exit mobile version