طلال سلمان

على الطريق العرض الأميركي الأخير أم الفرصة العربية الأخيرة؟

لم يضيّع جورج بوش الوقت سدى: بعد ساعات قليلة من الإنذار بالحرب “الدولية” على العراق، عبر القرار الجديد (الثاني عشر!!) لمجلس الأمن، لإخراجه من الكويت، قدم الرئيس الأميركي عرض “السلام” الأخير لشريكه في “تانغو الخليج” الرئيس العراقي صدام حسين.
وهو عرض مسالم في ظاهره، لكن سقف “السلام” فيه: إنقاذ ماء الوجه لمن أساء فهم الإشارات أو الرسائل، نتيجة لغروره أو لطمعه أو لحاجته، فخرج على النص وتورط موفراً للأميركي الفرصة الأثمن التي كان عاجزاً عن استيلادها أو اختراعها: فرصة إعادة وضع اليد مباشرة على أوروبا المستقوية بمشروع وحدها، وعلى اليابان المستقوية بغزارة إنتاجها، بقوة النفط العربي، وفي ظل استفراده بقمة القوة عالمياً بعد اندثار المعسكر الاشتراكي.
لكن هذا العرض بالسلام المشروط بما يجعله أقرب إلى الاستسلام من دون هزيمة، موجه أساساً إلى قوى الضغط الأميركية حتى لا تمضي بعيداً في اعتراضها على الحرب المحتملة، وكذلك إلى بعض الأطراف الدولية المتململة والتي لا تجرؤ على التمرد على الإرادة الأميركية وإن كانت تفضل تجنب حرب لا مصلحة لها فيها.
إنها اللمسة الأخيرة في ديكور الحرب، لكنها قد تفتح باب “مخرج الإنقاذ” أو “سلم الحريق” أمام المتورط في حساب مغلوط وتقدير خاطئ للموقف، عربياً ودولياً، بحيث يمكنه استنقاذ نفسه (وبلاده) قبل أن تصل النار إلى برميل البارود.
فإذا ما عاند صدام حسين أو كابر أو خشي مغبة التراجع، فإن الوقت قد يفيد أولئك الذين ربطوا مصيرهم (وقضاياهم القومية أو الوطنية) بمغامرته الرعناء.
وكائناً ما كان رأي المواطن العربي، في مغامرة صدام فإنه لا يفهم لماذا يربط علي عبد الله صالح مصير شعب اليمن بهذه “القادسية” الجديدة، ولماذا يورط ياسر عرفات شعب فلسطين في معركة هو فيها إما قتيل وإما جريح كائنة ما كانت النتائج، ناهيك بحكام الأردن وتونس والسودان الذين لم تعرف عنهم النزاهة أو صلابة العقيدة القومية أو إيمانهم الطوباوي بالوحدة العربية.
وليس سراً أن هؤلاء لم يكونوا شركاء صدام حسين في قراره الأول بالغزو، وهم على الأرجح لن يكونوا شركاء في قراره الثاني بالانسحاب، أو بشن الحرب على العالم.
لقد راهنوا فخسروا. ومن الشجاعة أن يعترفوا بخسارتهم فيتم تحديدها ويمكن لهم أن ينقذوا ما يمكن إنقاذه من بلادهم ومن قضاياها، وربما من العراق وحكمه أيضاً.
لعلها تكون فرصة جديدة للحل العربي.
لعل قمة عربية، في ضوء معطيات اللحظة، وبعيداً عن التشنج والشماتة والكيدية والاستقواء بالأجنبي والتفريط بالشقيق ولو مخطئاً، تكون الآن إطاراً مقبولاً لمخرج لائق يوفر على صدام حسين التراجع المهين أمام قوة الغزو الأميركي التي جاءت بعدما وفر لها المبرر والذريعة والغطاء الدولي.
إن المطلب العربي، هو إنقاذ العراق، كمدخل لا بد منه لإنقاذ الأمة العربية من كارثة قومية محققة لا يخفف من هولها أن يموت بعض الأميركيين وحتى بعض الإسرائيليين.
والقمة العربية قد تكون المدخل إلى هذا الإنقاذ، برغم كل الملاحظات على مؤسسة القمة وعلى جامعة الدول العربية، وعلى الأداء السياسي للنظام العربي.
وأمام صدام حسين خيار محدد: أن يتراجع بإرادته فيغطي أهله تراجعه وبصورونه “فضيلة” ويكافئونه عليها، أو يتراجع مدحوراً ومهزوماً أمام الأجنبي والدخيل فيضيع العراق والأمة كلها ولا يربح نفسه!
إن الموقف محدد تماماً: سلام عربي بحل عربي تؤيده وتدعمه وتحميه الإرادة الدولية، أو استسلام أمام قوة القهر الأجنبية المعززة والمدعمة بإرادة المجتمع الدولي لفرض الوصاية على العرب القاصرين والخارجين على القانون.
والمسؤولية تشمل العرب جميعاً، ولا تقتصر على صدام حسين… والكل مطالب بموقف وبتصرف في مستوى الإنقاذ!

Exit mobile version