يتحدث العائدون من القمة الإسلامية في داكار، عاصمة السنغال، بحرقة ملفتة عن المخازي العربية التي أثارت المضيفين الأفارقة والمشاركين الآتين من أربع رياح الأرض،
كان العربي مثالاً يحتذى في النضال من أجل التحرر فبات من خلال بعض أنظمته “معزة” ونموذجاً للتفريط والتنازل المجاني عن المقدسات جميعاً، سواء تلك المرتبطة بالدين أم ما يتصل منها بالأرض وحقوق إنسانها فيها.
وكان العربي “قائداً”، بل “القائد” لجمهورة الأفارقة والآسيويين والعالم الثالث عموماً، يسلمون بجدارته وبسبقه في الإسلام وبفضله في نشر الدعوة ثم في رفدها بالمضمون الثوري الحافظ لكرامة الإنسان.
أما في داكار فقد كان المنظر مخزياً ومشيناً ومخيباً لآمال من “آمنوا” بالعرب وارتضوهم أئمة للدين وقيادة لشؤون الحياة الدنيا.
أول ما سجله الجميع هو غياب معظم الملوك والرؤساء العرب، عن قمة تعقد في بلد تجعله أفريقيته كما يجعله إسلامه أقرب ما يكون إلى العرب حتى ليكاد يكون منهم.
وإذا كان غياب “الأغنياء” مفهوماً كهرب من القيام بالواجب في مساعدة الأخوة في العقيودة والمصير، فإن المسلك السياسي لمعظم من حضر من القادة العرب كان أكثر بشاعة بدلالاته الفعلية.
لقد تصرف أكثرية العرب وكأنهم مجرد أتباع اذلاء للأميركيين، بل وكأنهم – جميعاً – تحت الاحتلال الإسرائيلي، مع التسليم به كنذر أو ربما كحق إلهي لليهود؟ كل اليهود، بمن فيهم الخزرج والفلااشا،
وكثير من الأفارقة أنكروا، على سبيل المثال، تصرف وزير خارجية مصر، عمرو موسى، وتساءلوا عما إذا كان يعبر فعلاً عن سياسة الرئيس حسني مبارك… فمنطق هذا الوزير الذي جاء إلى السلطة “بالباراشوت” الأميركي يكاد يكون إسرائيلياً، والأدهى إنه بالتبرع – غالباً – وليس دائماً بالطلب.
كذلك فقد أنكر الكثيرون على ياسر عرفات خفته وتهافته ونفاقه المبالغ فيه للسعوديين خصوصاً وإن الوجه الآخر للحديث عن “شرف مكة” قارب الإهانة لسائر العواصم التي يعتز بها أهلها لأسباب تتجاوز الدين.
أما في ما يخص السعوديين فقد تساءل أكثر من وفد أفريقي عما إذا كان بندر بن سلطان ينفذ حقيقة سياسة المملكة وملكها فهد، أم هو يملي السياسة الأميركية على أهله وبلاده؟!
ولقد سمع بعض أعضاء الوفد اللبناني من مسؤولين أفارقة تساؤلات من نوع: “- كلنا تحت الهيمنة الأميركية بنسبة أو بأخرى. ولكننا مرغمون على الخضوع ومقهورون، فلماذا يحرص بعض العرب على إظهار سعادتهم الغامرة بهذا الوضع المهين، حتى وهم فقراء وضعفاء كنا ننظر إلى العرب على إنهم يختزنون قدرات (إيمائية) هائلة، وكان المجاهدون في صفوفهم مشاعل أضاءت لنا الطريق إلى الحرية، ونحن نفهم أن يكون قد اختلف الزمان، ولكن لماذا يتبرعون بالدفاع عن العبودية والمستعبد بكل هذه الحماسة”؟!.
وقال قيادي أفريقي بارز: “- لقد التقيت الرئيس مبارك مراراً، فلم أسمع منه إلا ما يعبر عن شعوره بالمهانة والمرارة والقهر إزاء الاحتلال الإسرائيلي. إنه طبيعي في مشاعره كأي عربي، كأي مسلم، كأي إنسان أنكرت عليه حقوقه… فمن أين جاء هذا “العمرو موسى” الذي يسخر من تاريخ العرب ومن الصفحات المشرفة لنضالات شعوبنا من أجل حقها في التحرر والتقدم؟!
“… كذلك فلقد جمعتنا المناسبات أكثر من مرة بالملك فهد، وقبله بالمغفور له الملك فيصل، فكنا نسمع منطقاً رافضاً للاحتلال، ورافضاً لأي تنازل عن الحقوق الوطنية والدينية في فلسطين، فمن أين جاء هذا “البندر”، وهل هو مفروض – مثل عمرو موسى في مصر – على ملك السعودية”؟!
يبقى الملك حسين وقد أخذ عليه الأفارقة تفريطه – وهو الهاشمي – بأرض المسلمين في فلسطين، كما سجلوا تلهفه على الصلح مع إسرائيل بأي ثمن، وقالوا فيه إنه “فضل عرشه على معراج جده، خاتم الرسل والأنبياء”…
لم يكن الأفارقة بحاجة إلى إدلاء عرب لكي “يهتدوا” إلى طريق واشنطن وحتى تل أبيب، التي قاتلوها مع العرب وصالحوها بعدهم،
ولكن العرب – في ما يبدو – بحاجة إلى من يدلهم مجدداً على الطريق إلى حقوقهم في أرضهم، وفي الطليعة منها القدس الشريف وبعدها سائر العواصم… العربية!