طلال سلمان

على الطريق العرب إرهابيون حتى يصالحوا…

يبدو أن بين مرتكزات “النظام العالمي الجديد” أن يكون العرب، بمجموعهم، زمراً من القتلة والإرهابيين وسفاكي الدماء، دماء بعضهم البعض ودماء الآخرين من أبناء العالم المتمدن،
فعلى امتداد سنة طويلة “تفرغ” مجلس الأمن الدولي، بعدما وضعت الولايات المتحدة الأميركية يدها عليه باسم “الغرب”، لإصدار قرارات الإدانة ضد “العرب”، وفرض العقوبات على “العرب”، مستغلاً أخطاء بعض حكامهم، كما في مثل العراق، أو بعض العمليات الإرهابية التي ألصقت ببعض المواطنين العرب، كما في مثل الليبيين المتهمين بتفجير الطائرة الأميركية فوق لوكربي في اسكتلندا العام 1988… واستطراداً حادث تفجير الطائرة الفرنسية فوق النيجر العام 1989.
ومن اللافت جداً أن يصدر قرار مجلس الأمن الدولي الجديد ضد ليبيا في الفترة الفاصلة بين جولتين من جولات المفاوضات المباشرة بين العرب وبين عدوهم الإسرائيلي (في واشنطن)، وعشية انعقاد المؤتمر المتعدد الأطراف في موكسو الذين يفترض أن يفتح الأرض العربية ومواردها وخيراتها (تحت الأرض وفوقها) للعبقرية اليهودية!
بيروت، هي الطاعون، كما وصفها جورج شولتس، وهي حتى اليوم في الكرنتينا، وممنوع على الأميركيين زيارتها ناهيك بالإقامة فيها،
ودمشق هي “المركز” للإرهاب والإرهابيين، وما زالت مدرجة على قائمة الإرهاب ومفروضة عليها العقوبات وممنوعة عنها المساعدات،
والفلسطينيون المطرودون من أرضهم، والمشتتون كلاجئين في أربع رياح الأرض يظلون إرهابيين حتى يتنازلوا عن آخر حق تاريخي وشرعي في “بلادهم” وفي “هويتهم”، فإذا تم ذلك واندثرت قضيتهم نظر في أحوالهم كبؤساء وعبر جمعيات الرفق بضحايا النكبات الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات الخ.
وفي كل قطر عربي، يصنف كل “إسلامي” إرهابياً، يستوي في ذلك المصري والأردني والجزائري وحتى السعودي المعترض على جلاوزة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
على هذا فأكثرية العرب هم من الإرهابيين، إذ أن بعضهم يعارض أنظمة الحكم القائمة، وجلهم يعارض النظام العالمي الجديد، ولا يستهويه الصلح مع العدو بالشروط الإسرائيلية،
لقد حولت واشنطن مجلس الأمن الدولي إلى “محكمة” أميركية، متخذة فيها موقع النيابة العامة والقاضي في آن،
ومن قبل كانت حولت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مجرد آلة لإصدار صكوك البراءة للإسرائيليين، فبرأتهم من “شبهة” التمييز العنصري الذي يعتمدونه سياسة رسمية معلنة لهم بقيادة نخبة من “الإرهابيين” المدانين دولياً على رأسهم إسحق شامير إياه.
على الضحية أن يلتزم جانب الدفاع عن نفسه، فهو متهم دائماً ولن يتاح له أبداً أن يثبت براءته،
فالإسرائيلي هو النقيض، وبالتالي لا بد أن يظهر العربي في صورة الإرهابي وقاتل الأطفال والنساء ومدمر الإنجازات الحضارية، لكي يبدو الإسرائيلي رسول تمدين في صحراء التخلف والجنون الدموي.
ليس معمر القذافي هو المستهدف بل العرب عموماً،
وليس ليبيا هي الضحية الجديدة للنظام العالمي الجديد، ولكنهم العرب كلهم، من وافق القيادة الليبية على طروحاتها ومن اعترض عليها.
هل من الضروري التنويه بأن رئيس مجلس الأمن، اليوم، هو مندوب بريطانيا، التي يحفظ لها العرب تاريخاً حافلاً من ممارساتها “الحضارية” معهم كشعب أو كدول؟!
لا جديد في هذا الكون،
فحيث القوة يكون القرار ويكون عليك أن تسلم بأنه العدل والحق، وإلا اتهمت بأنك إرهابي ومناهض للنظام العالمي الجديد.
… وهو جديد بمعنى أن الأميركي قد حل – نهائياً – محل مستعمري الزمن القديم من الإنكليز إلى الفرنسيين إلى الطليان إلى البرتغاليين وصولاً إلى هولندا العظمى!
إنها أعلى درجات الإرهاب للعرب، وعبرهم للعالم الثالث بل ولكل شعوب الأرض!
ولسوف يتم ابتزاز العرب، وفي كل بلادهم، لجيل أو جيلين، ولسوف تكون مكلفة جداً “تبرئتهم” – فردياً وبالتقسيط – من تهمة التآمر على الحياة والأحياء والحضارة والمتحضرين في ختام القرن العشرين.
والصلح بالشروط الإسرائيلية هو بعض هذا الابتزاز وليس كله!
رحيل الباشا الأخير!
قلة ممن تجاوزوا الأربعين يتذكرون اسم عبد الخالق حسونة.
حتى في مصر، وبعيداً عن الدوائر السياسية والصحافية، وبالتحديد بعيداً عن المخضرمين من رجالات تلك الدوائر، لن تجد من يتذكر هذا الرجل الذي رحل أمس عن 94 سنة، أمضى من أصلها عشرين سنة كاملة في موقع الأمين العام لجامعة الدول العربية (بين 1952 – 1972).
وفي المبنى الأبيض للجامعة، على كورنيش النيل، مقبل القصر الذي ورثته الخارجية المصرية عن السلطان حسين كامل، وعلى الأرض التي كانت أيام الاحتلال البريطاني ثكنات لجيش القهر الأجنبي، لا يذكر حسونة إلا بعض الموظفين الذين باتوا في سن التقاعد.
هو “الباشا” الأخير في النظام الجمهوري، كما كانوا يطلقون عليه، تمييزأً له عن سلفه، عبد الرحمن عزام، الذي كان “بيه”، وعن خلفه محمود رياض، الذي يمكن أن يعطى من الألقاب ما شاء طالما إنه من “الضباط الأحرار”، الذين صنعوا بقيادة جمال عبد الناصر، الفجر الجديد لمصر في 23 يوليو 1952.
لكن السياسة العربية على امتداد الخمسينات والستينات تفرد في كتابها صفحات لعبد الخالق حسونة، الذي فهم دوره ولعبه باتقان فزاد من رصيد مصر لدى العرب، كما عزز الوجود العربي، في مصر، وقرب “الثورة” إلى “المحافظين” بقدر ما أقنع “الثوريين” بالاعتداء وهم يعالجون الحساسيات العربية المترسبة من زمن القهر الاستعماري.
لقد جسد حسونة تلك المعادلة الصعبة فحمى مؤسسة تقوم على التوافق من أن يجرفها التطرف الثوري، كما منع الاتجاهات المحافظة من تدمير الجامعة بحجة تحريرها من هيمنة مصر الثورة والنزعات التغييرية الجامحة.
ومؤسف أن تكون الجامعة قد “رحلة” قبل أمينها العام الذي رعاها لعقدين منم الزمن!

Exit mobile version