طلال سلمان

على الطريق العربي مرفوض غربياً … حتى لو كان سنونو!

لم يشتهر عن “جون سنونو” إنه يحمل أفكاراً هدامة، أو إنه يعمل للمخابرات السوفياتية، أو إنه قائد ثوري متطرف ينادي – مثلاً – برمي إسرائيل في البحر أو بتحرير العالم من براثن الامبريالية الأميركية.
على العكس، فالمعروف عن جون سنونو إنه مواطن أميركي صالح، يدفع الضرائب ويروج “لطريقة الحياة الأميركية”، وهو لشدة إخلاصه قد فاز بثقة مواطنيه في ولاية نيوهامبشير فتوصل إلى منصب الحاكم، ثم أعيد انتخابه مرات عدة.
مع هذا تشن حملة قاسية على هذا الرجل الذي اختاره الرئيس الأميركي المنتخب لخدمته في البيت الأبيض، وفي منصب غير سياسي، من حيث المبدأ، مكافأة له على شدة إخلاصه للنظام الأميركي وللحزب الجمهوري الأميركي ولشخص الرئيس الجديد الذي اختاره الأميركيون بأكثرية ساحقة.
وكل جريمة جون سنونو إنه من أصل عربي، كيف يدخل عربي إلى البيت الأبيض ويكون فيه قريباً من مركز القرار ومن صاحبه؟!
من يضمن ولاءه وتخليه عن العداء لليهود وإسرائيل؟
بل، بالأحرى، من يضمن عداءه للعرب؟
تلك هي المسألة!
فالعربي، في العين الغربية، مرفوض حتى لو كان قد ارتضى الغرب مثلاً أعلى، ونموذجاً للتقدم ومحضه ولاءه المطلق وتبنى قيمه ومفاهيمته مهما بلغت درجة تعارضها مع ما تربى عليه في بيته وفي مجتمعه الأصلي.
ممنوع دخول العربي إلى الهيكل الغربي حتى لو كان مجرد “سنونو”!!
فللعربي في العين الغربية صورة لا تتغير: هو بدوي متخلف، غدار لا يؤمن جانبه، لا علاقة له بالعلم، يعيش على إيمانه بالغيبيات وافانين الشعوذة والسحر، سكير وفاسق تأخذه أقبح امرأة إلى آخر الأرض مشياً على الجمر، إذا لزم الأمر، ويدفع كرامته وكل ما يملك ليضمها إلى جناح “الحريم” في قصره الأسطورية الذي يعج بالخدم والغلمان والمخصيين!
ثم إن العربي “الحديث” مقامر مهووس، ومبذر سفيه، لأنه لم يتعب في ماله الذي جاءه من الغيب، فهو يوظفه لشراء الضمائر والأجساد ومبتكرات العصر التي لا يعرف كيفية استخدامها.
ولا مكان للعربي في السياسة ولا مكانة لبلاده،
هو إما تابع ذليل يمنح رتبة “الصديق” لفظاً، ويستبقى ويدافع عنه بقدرما يكون وجوده ضرورياً للمصالح الغربية،.. أو إنه إرهابي وهدام وعدو للعالم الحر، ومن ثم لقضية الحريات، ومعاد للسامية (حتى لو كان سامياً)، ومعاد للحضارة لأن إسرائيل هي رمز الحضارة وعنوانها ودولتها المزروعة في هذا الشرق امتداداً للغرب المتقدم في جميع الميادين!
ولا مكان للعربي في دنيا الاقتصاد والمال والأعمال، إلا كمستهلك!
توجه إليه الاعلانات، وتستخدم كوفيته وعقاله أحياناً، وتوظف سمرة بشرته، من أجل الترويج لسلعة من السلع الغربية، قد تكون طيارة أو سيارة (رولز رويس مثلاً)، وقد تكون عطراً أو ساعة (الأغلى غالباً)، وقد تكون فساتين سهرة نسائية أو هدايا من تلك التي تصلح لفتح قلوب “النجوم” التي على الأرض!
أما العربي رجل الأعمال، ولو كمقلد “لشريكه” الغربي، فصورة غير مألوفة، وهي مرفوضة غريزياً.. يستوي في ذلك المصرفي أو الإداري أو (وبشكل خاص)، الصناعي أو المتصدي، مثلاً، لتصنيع الإنتاج الزرعي.
فالمدير أجنبي والخبير أجنبي، ولكن موقع الخفير محفوظ للعربي الأسمر بالدشداشة البيضاء، تماماً كما هو محفوظ موقع الوزير الخطير للأمير ابن الأمير!
لماذا هذا الكلام، وما هي مناسبته الآن؟!
لأن الصحف الغربية، عموماً، الأميركية والبريطانية والفرنسية على وجه الخصوص، تهدر حبراً كثيراً ومساحات كثيرة من صفحاتها الغالية، للتشهير بالعرب (الآخرين)، أي عرب المال والأعمال والإدارة والمصارف وأصحاب المشروعات أو التوظيفات أو الاستثمارات في الخارج، وتحديداً في العالم الغربي.
فالعرب مرفوضون سياسياً،
مرفوضون إن كانوا موالين، إذ لا يمنحون أكثر من مشاعر الاستهانة والاحتقار.
ومرفوضون أكثر كمعارضين أي كتغييريين وعاملين لتحرير بلادهم من أسار القهر الاستعماري والتخلف والهيمنة الاقتصادية.. إنهم في هذه الحالة يحظون بالحقد والكراهية وتشن ضدهم الحملات المسمومة التي لا تبقي ولا تذر.
ثم إن العرب “ساقطون” عسكرياً، بمعنى إن إسرائيل قد شهرت بهم وما زالت تشهر بهم يومياً، فجيشها الجبار يمسح جيوشهم في ساعات، وطيرانها المتفوق على أي طيران في الدنيا يمنعهم من رفع رؤوسهم ويجبرهم على طأطأتها باستمرار، لأنه لا يغيب عن سماواتهم أبداً، وهو طويل الذراع يطالهم حيثما كانوا في بغداد المفاعل الذري إضافة إلى تونس – مقر منظمة التحرير، أما “طائراتهم” اللامعة باستمرار فهي أشبه بألعاب الأطفال تنفع لتمرين الطيارين الإسرائيليين المستجدين (بعدما تكون قد أفادت الاقتصاد الغربي بأثمانها)، كما تنفع لضرب سمعة الاتحاد السوفياتي وإظهار خطورة المبادئ الهدامة على حامليها أو المتعاملين مع أصحابها الملاعين!
… وطالما إن العرب صاروا أرصدة (مجمدة)، وبراميل نفط وسوقاً استهلاكية و”سماسرة”، قد ينفعون في تسويق ما لا ينفع من الكماليات الغربية، فلا بد من ضرب أهليتهم لإدارة أموالهم، أو لتوظيف هذه الأموال في القطاعات المنتجة في الغرب ومن ثم لاستغلال هذه المكانة سياسياً واقتصادياً.
من هنا فلا بد من حملة تشهير وتحقير ضدهم جميعاً قوامها استغلال موبقات بعض الآبقين من الأثرياء (العرب!!)، أو تصوير المال العربي وكأنه سيطر وبدا التحكم فعلاً في مجالات الحياة وإمكانات التقدم الغربي،
وهكذا تنطلق حملة تشهير برجل الفضائح الذي لم يعتبر نفسه في أي يوم عربياً، عدنان خاشقجي، ولكن هذه الحملة تنتهي بالتجريح برجل أعمال عربي ناجح وجدي مثل رفيق الحريري.
… مع فارق نوعي مثير: إن التشهير بالخاشقجي شخصي، بمعنى إنه يتناول مباذله (ثمن طلاقه زوجته، ثمن طائراته ويخونه الخاصة، تحايله على القوانين لتفليس شركاته الأميركية الخ)… أما التشهير برفيق الحريري فيكتسب مضموناً سياسياً بحيث يصبح تشهيراً بالعرب عموماً، وبطموحهم إلى إثبات وجودهم تحت الشمس.
لقد فرضت “ضريبة”، خلال الحملة الرئاسية الفرنسية، على معظم رجال المال والأعمال، لتمويل معركة رئيس الحكومة (آنذاك) جاك شيراك ضد رئيس الجمهورية فرانسوا ميتران،
وبالتأكيد فإن الكل دفع هنا أو هناك، أو هنا وهناك، لاسيما أولئك الذين لهم مصالح في فرنسا، أو الذين يريدون حماية مصالحهم من الفاعليات الاقتصادية الفرنسية، فالمعركة – في النهاية – كانت بين “اليسار” و”اليمين”، بغض النظر عن رأي الماركسيين في اشتراكية الحزب الاشتراكي الفرنسي، وعن مدى ولاء ميتران لحزبه الذي لم يذكره بالاسم مرة طيلة حملته الانتخابية.
وبالتأكيد، فإن جهات سياسية أو عزت إلى القادرين فدفعوا،
ومن نافلة القول أن يكون اليهود قد دفعوا، وأن تكون كبريات الشركات الأميركية وربما اليابانية قد أسهمت في تمويل المعركة، بهذا الشكل أو ذاك،
لكن العرب من بين المساهمين في التمويل هو الذين هوجموا،
ولقد أورد اسم الحريري، مثلاً، في قائمة تضم أسماء بعض المشبوهين بالاتجار بالمخدرات،
وكان ملفتاً أن تثار الحملة بعد ستة أشهر من الانتخابات، وأن تتركز على إسهام بعض المتمولين العرب فيها مع تركيز مباشر على اسم رفيق العربي، في حين يعرف القاصي والداني في فرنسا وخارجها ومنذ سنوات إن جاك شيراك يتلقى مساعدات “سخية” من العراق، حتى لقد حور اسمه للتدليل على مصدر دعمه العراقي!
في الوقت نفسه كانت تشن حملة قاسية ضد بنك الاعتماد والتجارة الدولي، فيتهم “بتبييض” عوائد المخدرات وبالذات الأفيون، وبتسهيل عمليات غير شرعية لحساب دكتاتور بنما الجنرال نورييغا.
ولقد تعاظمت هذه الحملة وشملت أجهزة الأعلام المختلفة التي تبرعت بتبرئة جميع البنوك الأميركية والإسرائيلية والأميركية اللاتينية، أو إسقاط أسمائها، وحصر التهمة بهذا المصرف الذي يتميز بأن رؤوس أمواله عربية، بمعظمها، وإن إدارته باكستانية بمجملها.
ولسنا معنيين هنا بأن ندافع عن هذا المصرف المنتشر في 73 دولة، باتساع العالم، والذي تزيد ودائعه على العشرين مليار دولار، أو على نفي أو تأكيد علاقة بعض موظفيه بتجارة المخدرات أو بدكتاتور بنما،
لكن ما يثير هو تركيز الحملة على هذا المصرف الذي يقوم نموذجاً على نجاح العالم الثالث وقدرات رجاله “المتخلفين” على إقامة مؤسسة عصرية وإدارتها ومزاحمة مثيلاتها في عقر دارها الغربي!!
ممنوع على العرب النجاح ولو كأشخاص،
وممنوع على العرب التعاطي بالسياسة،
وممنوع على العرب أن يخترقوا عالم المصالح الغربية،
وبهذا المعنى ينادى بالويل والثبور إذا اشترى مكتب الاستثمارات الكويتي حصة ملحوظة من أسهم شركة بريتش بتروليوم المعروضة للبيع وتتفجر أزمة سياسية خطيرة لا تنتهي إلا بحصر حصة الكويت في أضيق نطاق ممكن بعد أن سخر المال الكويتي لإقالة عثرة الشركة البريطانية.
وفي الوقت نفسه يذهب فرانسوا ميتران بكل جلال الرئاسة الفرنسية ومهابتها لتدشين مصنع “مونو بلاس” لعبوات منتجات الألبان الذي يمتلكه بالكامل مكتب الاستثمارات الكويتية في فرنسا ذاتها!!
مسموح للمال العربي أن يساهم كممول في مصنع لعبوات منتجات الألبان، بفرنسا، أما أن يقتحم – والعياد بالله – عالم شركات النفط التي جنت ثرواتها الهائلة من أرض العرب وعلى حساب حقهم في التقدم والتطور واللحاق بالعصر، فهذا ممنوع ودونه خرق القتاد.
وقبل فترة وجيزة نشبت أزمة خطيرة في إيطاليا كادت تطيح بالتوازن السياسي الهش فيها، بسبب مساهمة المال العربي الليبي في شركة فيات.
أما أن يشتري الليبيون شركة لتكرير ولتوزيع النفط، تملك شبكة واسعة من محطات البيع في إيطاليا، من رجل أعمال لبناني هو روجيه تمرز، فهذا مسموح طالما أن التوظيف سيصب في إيطاليا ولصالح الإيطاليين، ولا يهم أن يجني منه العرب بعض الربح!
أي إنهم يطلبون مالنا ويأخذونه بلا حرج (حتى لا نقول إنهم ينهبونه) إذا كان يخدم بعض نواحي الرفاه والاستهلاك في بلادهم، ويؤمن لهم مصدراً إضافياً للربح،
ولكنهم يقبولنه مالاً بلا جنسية أصحابه، وبلا قضيتهم أيضاً، وهكذا يمكن إعادة توظيفه ضد أصحابه العرب!!
أما إذا ما وظفوا لدينا بعض البعض من مالنا المنهوب فسرعان ما تأتي أساطيلهم خلفه لتؤمن ضمناً استيعابنا كمناطق لنفوذهم وكسوق استهلاكية لبضائعهم.
قديماً أخذت مصر تحت بند “استيفاء الدين” الذي رتبه إسراف الخديوي إسماعيل، والذي حولته الفوائد إلى كرة ثلج سرعان ما سحقت مصر وشعبها وحولته إلى مجرد قن يعمل بالسخرة لحساب مستعمريه!
هل من علاج لهذا الخلل الفاضح في ميزان العلاقات؟!
أم “نطنش” ونتركهم يوظفون مالنا ضدنا، مكتفين منهم باللفتات، الرقيقة التي يخصون بها حكامنا حين يريدون منهم التوقيع على تنازلات إضافية أو على مزيد من الصفقات العبثية التي تنزح إليهم مالنا من غير أن تنفعنا بتقدمهم التكنولوجي لا في البحر ولا في الجو ولا على أرضنا التي يأكل من أخضرها الحكام وجلاوزتهم أكثر مما يأكل الجراد الغازي؟!
هل من استفاقة؟!
هل من وقفة للمراجعة وإعادة النظر؟!
أم نستمر في السياسة إياها: نتنازل أكثر لعلنا نأخذ أقل القليل، حتى نكتشف – متأخرين – إننا لم نعد نملك ما نعطيه ولم نعد بقادرين على الأخذ حتى لو أرادوا أن يعطونا، وهم لن يريدوا ولن يعطوا ولو واحداً في المليار مما أخذوه من أموالنا وحقوقنا وأرضنا والكرامة الجريح!
… مع التذكير بأن “غربية” أصحاب المال العربي، لم تنفع في حمايتهم من التجريح الغربي!! فهي حملة في الغرب على عرب الغرب أولاً وأخيراً!

Exit mobile version