طلال سلمان

على الطريق العبور إلى سدرة المنتهى..

كيف تعبرالحلم إلى سدرة المنتهى، وكيف تعود الصورة إلى الأصل الذي فصلت عنه بحد السيف؟!
كيف تعود الملامح إلى الوجه، وتعود السنوات عمراً وليس مجرد حسرة تستطيل دهراً وهي تلتهم الدقائق والساعات والأيام والشهور والعافية وخطط المستقبل ولا تستبقي غير أطياف الذكريات الحميمة والأهل والجيران وأشجرا الحديقة ولون الشبابيك وعصافير القرميد، وتلك الأمنية التي سرعان ما تتغضن وتذبل في أن تتيسر إعادة الجثمان حتى لا تكون الغربة موتاً بالمطلق؟!
كيف تعبر الموت إلى الحياة وأنت مثل منفاك شبه ميت، مفترضاً أن بموتك وانغراسك في ترابها تستعيد حقك في الحياة؟!
كيف يكون التوغل في كنف الاحتلال استكمالاً للتحرر، والرجوع إلى الأسر انتصاراً على المنفى والجلاد الذي أمر بالنفي وملأ السماء حراباً حتى لا تتسلل أحلامك في عملية استشهادية أو روحك بعد الشهادة؟!
كيف… كيف تعود القدس إلى القدس، وحلحول إلى حلحول، ونابلس إلى نابلس، وقلقيلية إلى قلقيلية، والبيرة إلى البيرة ورام الله إلى رام الله؟!
وكيف بالذات يعود مخيم الدهيشة إلى الدهيشة وغزة إلى غزة؟
.. وغزة ملء السمع والبصر، تصل بعطر نجيعها إلى أربع رياح الأرض. فكيف يكون خارجها من أعطته يوم مولده ولون بشرته وزنرت جبينه بالشمس وشرفته باسمها؟!
لكنها فلسطين، وفلسطين هي المعجزة والإعجاز!
نصف العمر في المنفى، فهل يكفي النصف الآخر لإنهاء زمن النفي واستخلاص الوطن من الأسر، بحيث يمكن التمتع “بقهوة أمي الصباحية”؟!
وماذا عن المئات الذين طردهم إبليس من الجنة، بعد الانتفاضة التي كسرت جدار المنفى وهشمت يد الجلاد وفتحت ثغرة في قلب بيضة الرخ الصهيونية؟!
وهل هو عدل أن يضيع ثلاثة آلاف (ثلاثة ملايين؟!) إنصاف أعمارهم لكي يستعيد هؤلاء العائدون الثلاثون ثمالة أعمارهم فوق أرضهم؟!
أهي البداية أم هو الحل البديل الذي سرعان ما يتحول إلى فتنة بدلاً من أن يكون “اللحظات التي لا أستطيع أن أتذكر أسعد منها”؟!
وهل العائدون سيتكيفون، فعلاً، “تحت لواء الجيل الجديد” ، ليكتسبوا الخبرة النضالية من الانتفاضة؟!
هل هم يعودون إلى الثورة، أم يعودون لأن الثورة قد سحبت من التداول وباتت من ذكريات الماضي؟!
“نحن سعداء، يقول البعض بلسان أهل العائدين، لكن هناك مئات من المبعدين، ولن يكون بمقدرونا أن نهيئ احتفالاً كبيراً”،
الاحتفال مرجاً قطعاً… خصوصاً وإن المبعدين الجدد (أو المقتلعين من أرضهم، كما هو التوصيف القانوني السليم) يخشون أن يكون الاتفاق على عودة العائدين طعنة في ظهر الذين طردوا من جديد، وعلى حسابهم يسترجع القدامى أحلامهم التي لا تشيخ.
.. لكنها فلسطين، وفلسطين هي المعجزة والإعجاز!
“أبعدت وأنا مقيد اليدين، وأعود وأنا حر ومرفوع الجبين”
هذا في الشعر، أما في السياسة فالتدقيق قد يفسد لحظة الفرح التي “تعدل العمر”،
وقديماً سأل محمود درويش بلسان “الأسير العائد” إلى بلاده التي كان قاتل من أجلها والتي وجدها في الأسر، كلها، حين فر من معتقله وتغلغل في قلب الموت حتى بلغها: “هل أنت مصر”؟!
المهم ألا تسأل فلسطين أياً من العائدين: هل أنت الفلسطيني؟!
والمهم ألا تسأل فلسطين أياً من هؤلاء العائدين: أين تركت أخاك؟!
فلا يغني الفلسطيني عن فلسطين، مع أن حلحول لا يمكن أن تكون هي ذاتها إلا في فلسطين وبالفلسطينيين!
… فهي فلسطين، المعجزة والإعجاز حتى لو تم العبور من منفى الشتات إلى أسر الاحتلال المقيم على جسر المحتل القديم، جسر اللنبي!

Exit mobile version