طلال سلمان

على الطريق العائد منتصراً…

لكأنه اليوم عائد إلى طرابلس بعدما طال الفراق، معلناً انتهاء الحرب الأهلية وبداية الرجوع إلى ما هو طبيعي.
لكأنه استوفى على امتداد السنوات الأربع لملمة أجزاء جسده، تماماً كما استوفت الدولة التي افتداها أشلاءها ومرافقها المغتصبة ومواردها المنهوبة،
بل لعله قد عاد بها ومعها وعبرها، فالدولة ناقصة من دونها ووجوده لا يبلغ أفضل تجلياته إلا فيها.
لكأنه يعود اليوم منتصراً وقد سبقته الانجازات التي ظل يبشر بها، مخترقاً قتامة اليأس والانسحاق وليل الخيبة والعجز ودوامة الموت، حتى كاد يتهم في عقله وصنف بين بائعي الأحلام والأوهام وتهاويم الأماني المستحيلةز
في موكبه الفخم اتفاق الطائف وثماره الناضجة وبينها خلع جنرال العتم، وإقرار الإصلاح الدستوري، وحل الميليشيات، وأخيراً وليس آخراً معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق مع سوريا،
… ولقد سار الموكب على الدرب حتى وصل، فلا حالت “حالات حتما” بين طرابلس وبين بيروت، ولا استوقفه التخم الإسرائيلي للكانتون الفئوي في البربارة ليدفع من كرامته “الخوة” اللاغية للدولة والحكم.
هي الطريق ذاتها التي عرفها فألفها والفته، والتي قطعها قطاع الطرق كمن يقطع وريده بزعم الاحتفاظ بالكف دون الساعد، ثم اصطنعوا لها نقاط حدود ومعابر وحقول ألغام كمن يقيم حدوداً بين الصدر والعنق والهامة بجبينها الوضاء.
ولقد رفع الحصار عن العاصمتين وعن ساحلهما الواحد، وعن الشعبين في الدولة الواحدة، وعن قرار اللبنانيين بالوحدة، ولن يستطيع العدو الإسرائيلي أن يحتفظ بجبل عامل وامتداداته رهينة إلى الأبد.
وها هي سوريا التي أحبها رشيد كرامي وأحبته تستقبله في بيته، فيقف نائب رئيسها عبد الحليم خدام إلى جانب الرئيس الياس الهراوي وعمر ومعن والأنجال الذين سبقوا أعمارهم فصاروا رجالاً، تحية لعودة الشهيد المنتصر بدمه على القتلة!
طرابلس هي طرابلس، لبنان هو لبنان، سوريا هي سوريا. وحقائق الحياة بالتاريخ والجغرافيا وصلات ذي القربى ومكونات الوجدان أقوى من الصواريخ والقذائف والعبوات المفخخة، والطائرات المنسوفة في الجو.
ولقد أعطى رشيد كرامي “الميت” أكثر مما أعطى رشيد كرامي الحي، وأعطى الجميع عندما أكد بقلبه الذي تناثر نتفاً فوق لبنان ساحلاً وجبلاً ، على حقائق الحياة التي لا تمحى ولا تزول.
“لا تبكه فاليوم بدء حياته”،
وطرابلس ليست ثكلى ، والدولة ليست أرملة، والقتلة صاروا من الماضي الذي يرغب الجميع في نسيانه وبأقصى سرعة، في حين أن رشيد كرامي قد استوطن المستقبل.
تماماً مثل رفيقه وخدينه و”توأمه” السياسي رينيه معوض الذي ربط بدمه بيروت بالشمال بقدر ما ربط رشيد كرامي الشمال ببيروت وبدمه أيضاً.
لكأنها معاً الأساس الذي ترتكز إليه “الجمهورية الثانية”.
ورشيد ورينيه معاً أول سطر في دستورها الجديد،

Exit mobile version