طلال سلمان

على الطريق الطرف الثالث؟!

تتصرف إسرائيل حيال لبنان وكأنه الطرف الثالث في اتفاقها مع القيادة الفلسطينية حول غزة – أريحا!
ففي لبنان، وبدماء بنيه، تم التمهيد لذلك الاتفاق البائس بالاجتياح الجوي في أواخر تموز من العام الماضي، والذي ثبت – في ما بعد – أنه كان بمثابة “البشارة” بقرب ولادة اتفاق الخلسة من رحم الليل في أوسلو.
وعبر مسلسل من العمليات التخريبية توالت في معظم أنحاء لبنان، تمت “المواكبة الإسرائيلية” في لبنان وعبره لاستكمال مراسم الاحتفال بالتوقيع في 13 أيلول 1993 في حديقة البيت الأبيض بواشنطن.
وبعد التخريب جاء دور التفجيرات، عشية قمة الأسد – كلينتون في جنيف، ثم بعدها مباشرة، ابتداء ببيت الكتائب المركزي وصولاً إلى كنيسة سيدة النجاة في الذوق، مع كل ما رافقها وأعقبها من بث للذعر وتمويه لأبطال التفجير وتحصينهم حتى لا تطالهم يد القضاء، وانتهاء “بعملية الديراني” في قصرنبا – البقاع التي يصيب رذاذها جميع المتضررين من غزة – أريحا وينقلهم إلى موقع الدفاع بدل أن يظلوا مهاجمين…
الآن ومع دخول ذلك الاتفاق المختلس والملتبس حيّز التنفيذ ، فوق الأرض الفلسطينية، تتصرف إسرائيل وكأن لبنان مكلف ومطالب بحماية مؤخرة اتفاقها مع القيادة الفلسطينية، وتكاد تطالبه بما تطالبها به:
لقد أوكلت إسرائيل إلى الشرطة الفلسطينية، صراحة، مهمة حماية الاحتلال من هجمات فلسطينيي الداخل، داخل غزة ذاتها كما داخل فلسطين عموماً.
وها هي تعامل لبنان وكأنه المعني بحماية الاحتلال من مهاجميه من خارج فلسطين، بما في ذلك احتلالها للأرض اللبنانية في الجنوب والبقاع الغربي.
بل إنها تعامل “الشريط المحتل” في الجنوب وكأنه النموذج الناجح الذي اعتمد لإقامة “السلطة الوطنية” في غزة، كأنما المحتل من الجنوب كان “غزة اللبنانية”.
فرابين يزور غزة، بينما “رئيس الدولة” وايزمان يزور الشريط المحتل، ويلتقي قائد مرتزقته أنطوان لحد، ويزكيه مطالباً له ولمرتزقته بدور في القرار السياسي للبنان.
فأمن الشريط مسؤولية إسرائيلية، أما أمن الاحتلال فمسؤولية لبنانية.
وكذلك الأمر في الناحية الأخرى: فأمن غزة مسؤولية إسرائيلية، أما أمن الاحتلال الإسرائيلي فمسؤولية فلسطينية.
بل إن إسرائيل تحاول أن تشرك سوريا نفسها في مهمة حماية احتلالها للأرض اللبنانية والفلسطينية، فإن “تقاعست” اعتبرت موقفها تهديداً للعملية السلمية واستعدت عليها الراعي الأميركي.
فإسرائيل تعرف تماماً أن مصطفى الديراني مقاوم جيد لكنه ليس قوياً بما يكفي لكي يأسر طياراً حربياً إسرائيلياً أسقطت طائرته بينما هي تقتل بصواريخها الأطفال والنساء والشيوخ… ثم أنه أضعف من أن يستطيع الاحتفاظ بذلك الأسير والمفاوضة عليه.
لكنها أرادت بتلك العملية التي تفوق تأثيراتها المعنوية قيمتها العسكرية، وتفوق غفلة المعنيين بالخطف منها كفاءة الخاطفين، التحرس المباشر بالسوريين في لبنان، ومحاولة الإيقاع بين اللبنانيين وبين السوريين من جهة، ثم بينهم مجتمعين وبين المقاومة (الإسلامية) من جهة ثانية.
وصحيح أنها قد حققت، مرة أخرى، نصراً مجانياً لا تستحقه، في حين لحق بالمقاومين ضرر بالغ كان يمكن تجنبه بشيء من اليقظة، إلا أن الاستهداف الإسرائيلي الأول هو الدفاع عن مؤخرة اتفاق غزة – أريحا بالهجوم المباشر على مخاصميه والداعين أو العاملين لإسقاطه.
وليست مصادفة أن يتوالى اختراق تلك الطائرات جدار الصوت في بيروت، لكي يسمع الجميع الإنذار الإسرارئيلي.
هذا بينما التحقيقات تكاد تكتمل في “تفجيرات جعجع”، تمهيداً لإصدار القرار الظني في اثنين منها: كنيسة سيدة النجاة وما تكشف خلال التحقيق فيها متصلاً باغتيال داني شمعون.
لا هم لإسرائيل الآن إلا غزة – أريحا.
إنها، وبفضل تواطؤ القيادة الفلسطينية، تنقل حرب ذلك الاتفاق البائس إلى خارج فلسطين، وتحاول “تسخير” العرب لحمايته من الخارج تحت طائلة التهديد بالنار، في حين تتكفل شرطة عرفات بالمهمة في الداخل.
وحماية غزة – أريحا هي المدخل للحرب الجديدة ضد سوريا وضد لبنان، والمفاوضات اليوم غيرها بالأمس.
ولعل هذه “الحرب” هي الأداة لتطويع “العُصاة” وإجبارهم على التسليم باتفاقات مماثلة.
… مع الإشارة إلى أن غزة ذاتها لم تقل كلمتها النهائية بعد، ومعها معظم الفلسطينيين وعرب الصمود.
أما الآخرون فقد دخلوا مع كريستوفر إلى أريحا ولم يخرجوا بعد.

Exit mobile version