طلال سلمان

على الطريق الطائفة العظمى في ملجأ القصر الجمهوري!

أخطر ما في كلام العماد عون في مؤتمره الصحافي الأسبوعي (!) أمس، توقيته،
ففي حين كان الناس ينتظرون أن يسمعوا، عبره، نتائج مطمئنة للمساعي الحميدة التي تبذلها اللجنة العربية المعنية بلبنان، فوجئوا بما يكاد يسد آخر باب أمل، ولم يسمعوا غير تجديد الدعوة للانتحار الجماعي!
وفي حين كانوا ينتظرون موقفاً في السياسة يثبت وقف اطلاق النار، تلقوا صدمة جديدة إذ سمعوا العماد عون يعلن الحرب على مزيد من الدول والقوى في العالم أجمع.
بين تلك الدول: الولايات المتحدة الأميركية،
… حتى لكأن حرب العماد عون قد استقرت أخيراً على سوية محددة: إنها حرب بمفعول رجعي على الاتفاق الأميركي – السوري الذي اختار – ذات يوم – غيره مرشحاً لرئاسة الجمهورية!
لقد هدده الأميركيون، على لسان ريتشارد مورفي، بالفوضى، إذن فليحارب من قلب الفوضى، برفع أقصى الشعارات تطرفاً، وباستخدام أقوى المدافع في الضرب على دمشق والاتفاق الأميركي مع دمشق.
لم يعطوه الرئاسة، وقد حاولوا منعه من الوصول إليها؟ طيب! سيأخذها عنوة وبقوة السلاح!
وبين تونس، حيث كان طارق عزيز يصعد الحرب العراقية على سوريا، آخذاً في دربه اللجنة العربية، إلى بيروت حيث تكلم العماد عون لاغياً آخر احتمال لهدنة طويلة وثابتة، خيمت على آفاق الوضع اللبناني غيمة سوداء كهذه التي تخيم على بيروت الآن نتيجة قصف خزانات النفط في الدورة والكرنتينا.
لكان العراق يصفي حساباً جانبياً مع الكويت، مبعثه مطالبتها بترسيم الحدود، على هامش حربه المفتوحة عبر جيش العماد و”قوات” جعجع ضد سوريا، في لبنان،
ولكان العماد يرد على الفوضى الأميركية بفوضى أوسع من نتاج حكمته الشخصية!
في المحصلة فإن العماد يريد حرب المحاور العربية حامية في لبنان، بينما هي باردة أو تبرّد في مختلف أرجاء الوطن العربي بمشرقه ومغربه،
أو لعل النظام العراقي هو من يريدها كذلك، ولعله سخنها للضغط على السعودية باعتبارها الشريك الثالث في الاتفاق الأميركي – السوري.
ولعل النظام العراقي قد اختار التوقيت لحرب عون ضد سوريا: عشية زيارة فهد بن عبد العزيز لبغداد والقاهرة، وهي الزيارة التي تستهدف – في جملة ما تستهدف – فك “مجلس التعاون العربي” ودفنه وهو بعد في أيامه الأولى.
لكن هذه كلها تفاصيل بالنسبة للعماد المهووس بالسلطة، والذي دخل على السياسة بالغلط ومن باب الانقلاب العسكري المشرع بقوة امتيازات الطائفة العظمى.
المهم بالنسبة إلى العماد إنه وقد احتل القصر، أخيراً، فإنه لا ينوي تركه مهما كلف الأمر، وحتى لو دمرت البلاد وأمضى وقته هو شخصياً في الملجأ الحصين على هضاب بعبداز
في أي حال فإن العماد عون قال، أمس، ما يستحق وقفه تأمل.
قال إنه “الرابع” في الاعتصام بالملجأ الحصين في القصر الجمهوري، مذكراً إن كلا من الرؤساء سليمان فرنجية والياس سركيس وأمين الجميل قد لجأوا إليه من قبل، للاحتماء من عنف القصف المركز عليه،
… ولو إن هذا القصر كان جاهزاً للأشغال خلال ولاية الرئيس شارل حلو لأمضى أيضاً بعض الوقت فيه، لاسيما بعد مذبحة 23 نيسان 1969،
… كذلك فلو كان القصر جاهزاً أيام الرئيس الراحل كميل شمعونن لأمضى فيه السنة الأخيرة من ولايته،
… ولو إنه كان جاهزاً على أيام الرئيس الأول لدولة الاستقلال لأمضى فيه الشيخ بشارة الخوري السنة الثالثة من ولايته الثانية التي انتزعها بتزوير انتخابات 25 أيار (1947) الشهيرة!
أتراها مصادفة أن يكلف كل عهد البلاد والعباد ما لا تطيق ولا يطيقون؟!
حرب لكي يصل “الرئيس – الملك” الآتي باسم الطائفة العظمى، وحرب لكي يرحل؟!
والطائفة تسلك مسلكاً عجيباً ومريباً: فهي تحمي الخطأ وتدفع من دم البلاد ثمناً لاستمرار صاحبه بحجة إنها بذلك تحمي النظام وامتيازاتها فيه والكيان الذي تعتبر إنه إنما فصّل على مقاسها!
للمناسبة فإن صور اللقاءات في تونس – 2 تعكس مفارقة ملفتة:
فبين الذين ذهبوا إلى تونس من رؤساء الحكومات السابقين اثنان دفع كل منهما ثمناً غالياً لالتزامه “بالرئيس الأول” الذي اختاره ليحمله مغبة سياسته الخاطئة.
وبينهم رئيسان سابقان للجمهورية استمر كل منهما في الحكم حتى اليوم الأخير، برغم المعارضة العنيفة لسياسته، والتي كانت تتحول إلى مشروع حرب أهلية بسبب تزوير هويتها السياسية وقلبها إلى افتئات طائفة أو طوائف على الطائفة العظمى وامتيازاتها التي لا تمس!
فمن يحكم باسم الطائفة العظمى لا تجوز مناقشته أو محاسبته، فكيف بخلعه، مهما بلغ حجم الأخطاء أو الخطايا التي يرتكبها! والاعتراض عليه يتحول فوراً إلى تجديد “للمسألة الشرقية” واضطهاد للأقليات ونسف لمرتكزات التعايش وتحد لإرادة الدول العظمى التي تضمن الكيان اللبناني الخالد!
ولعل العماد عون يستقوي اليوم على اللبنانيين، أساساً ومن بعدهم على العرب، بهذا المنطق الذي يغلب “كرامة” رمز الطائفة في الحكم على كرامة الحكم ذاته وسلامة الدولة بل والكيان الخالد أيضاً!
إن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تقر بأن العماد عون شخص غير طبيعي في تصرفاته وفي منطقه، وإنه مهووس بالسلطة، وإنه يفتعل حرباً مدمرة بأهداف مزورة لتحقيق طموحاته الشخصية، وإنه يتسبب بمسلكه في اغتيال آخر شعاع ضوء كان يعد اللبنانيين بفجر ما ذات يوم.
مع ذلك فإن أحداً لا يتصدى، بالقوة الكافية، ومن داخل الطائفة العظمى، للجم اندفاعة العماد القاتلة ولوقفه عند حد، ولمنع المزيد من الخراب والدمار والموت، ولاستنقاذ ما تبقى من رموز الدولة التي تندثر وتتلاشى بفضل حكمته وعقله السياسي النير.
… أما التصدي من خارج صفوف الطائفة فيتخذ على الفور شكل الفتنة ويصور وكأنه تهديد للطائفة العظمى ليثس فقط في امتيازاتها، بل في وجودها ذاته، وربما تهديد للوجود المسيحي برمته في هذا الشرق!
ومثل هذه المعادلة مستحيلة الحل،
وفي ظل الاستحالة يصبح مبرراً للعماد المهووس أن يعلن حرب التحرير على “العدو” السوري!!
وفي ظل الاستحالة يمكن له أن يتهم رجل الدولة الأخير في لبنان، الدكتور سليم الحص، بالخيانة العظمى، ويتناوله في شرفه وفي وطنيته، متهماً معه أكثرية اللبنانيين الساحقة في شرفهم ووطنيتهم وسلامة عقولهم!
وفي ظل الاستحالة يشهر العماد سيفه في وجه العالم كله، على قاعدة: من ليس معي فهو ضدي، ولا بأس من الاندفاع في الحرب حتى آخر لبناني وآخر مرفق من مرافق هذه الدولة البائسة!
وهكذا يصادر الجنرال المهووس مستقبل لبنان واللبنانيين، بحجة حماية “حقوق” الطائفة العظمى، وهي هي التي تسببت في منع قيام الدولة في لبنان في الماضي والحاضر.
… وماذا تنفع حنكة الشيخ صباح في معضلة كهذه، مهما كانت درجة تعاطفه أو درجة إعجابه بدهاقنة السياسة في لبنان، لاسيما من أنبتتهم “الحقبة الكتائبية”؟!
وميشال عون ، بالنتيجة، واحد من هؤلاء، بغض النظر عن مزاياه الشخصية التي يستمتع بالفرجة عليها اللبنانيون بالصوت والصورة، وبالألوان الطبيعية في هذه الأيام السوداء!

Exit mobile version