طلال سلمان

على الطريق الضرب في الجنوب والنتيجة في واشنطن!

كلما غرست إسرائيل مستوطنة جديدة في اللحم العربي في فلسطين أفرغت قرية عربية أو أكثر من سكانها الذين يفتقدون الحماية والأمان والقدرة على الصمود.
وها هي الآن تستعرض قوتها العسكرية على لبنان المهيض الجناح،
وهي تقصف الجنوب بوحشية، وتحرك مدافعها وأرتال دباباتها، لأنها إنما تريد أن يفهم الجميع الرسالة: إنها تقصف العرب جميعاً ليضغط ضعيفهم على قويهم بحيث يستسلم الكل.
إنها تضرب في الجنوب طلباً للصدى في بيروت، وسائر العواصم العربية لاسيما القريبة، وكذلك طلباً للنتائج السياسية في واشنطن ومنها، في المفاوضات المباشرة (العقيمة)، ثم في المعركة الانتخابية الرئاسية هناك التي تظهر “بشائرها” الأولية إن هامش التأثير الإسرائيلي سيكون عريضاً.
المفارقة إن إسرائيل وأعداءها العرب وأصدقاءها الأميركيين يلعبون الورقة ذاتها: انتخابات الكنيست.
ففي حين يحاول بعض العرب مع بعض الأميركيين تحويل المفاوضات مع إسرائيل إلى ورقة مؤثرة في الانتخابات الإسرائيلية، فإن إسحق شامير ومن على يمينه (!!) وكذلك من على يساره (!!) يردون بالتصعيد العسكري والسياسي ليثبتوا – مرة أخرى – إن “الحرب” وحدها هي الطرق إلى “السلام” مع العرب الضعفاء والمذعورين من احتمال الحرب!! وإن القسر أو الإرغام أو الابتزاز هو أمضى الأسلحة مع الإدارة الأميركية (المرتبكة الآن) وليس التنازل المجاني إكراماً لعيني جورج بوش أو جيمس بيكر.
لدى بعض العرب فإن استرضاء الإدارة الأميركية أهم من الارض المحتلة (وأصحابها)، “فمن يجرؤ على معارضة واشنطن”، كما قال منتحل صفة البرلمان الكويتي الذي يزور الآن بيروت “زيارة رسمية” لا يعرف أحد مناسبتها أو جدواها، وهو المطعون بشرعيته شعبياً والمسحوبة منه الصلاحية حكومياً.
ولدى كل الإسرائيليين فإن مصالح إسرائيل أهم وأبدى وأولى بالعناية من المصالح الأميركية ومن مصير الإدارة الأميركية.
ولدى الأميركيين، لاسيما الإدارة، فإن لإسرائيل الصوت المرجح في الانتخابات الرئاسية، بينما العرب “صم بكم” وهو لا في العير ولا في النفير!
إن إسرائيل تنشر عبر لبنان جواً من الذعر، على الصعيد العربي، مطمئنة إلى أن رد فعل أكثرية الحكام سيكون “الدعوة إلى ضبط النفس”، كما ورد على لسان سفير عربي في بيروت يوم أمس، وهذا في أي حال منتهى التطرف، أما الباقون فسيضعون اللوم على “حزب الله” وسائر أطراف المقاومة، وعلى الدولة وبالذات منها الجيش الذي يحاول أن يرد بإمكاناته الضعيفة والمحدودة جداً، ولكن لتأكيد جدراته بحقه في أرضه.
إن إسرائيل تضر سوريا في لبنان وصمودها مع لبنان في واشنطن، وغيابهما معاً عن مؤتمر موسكو، وتطارد آخر مقاوم، وأخر متعاطف مع المقاومة (إسلامية أو وطنية) بالطائرات والصواريخ!
إنها تضرب العلاقة مع الشريك الوحيد والحليف الوحيد للبنان، سوريا، وتضرب القرار 425، وتضرب التطمينات أو التأكيدات الأميركية، فلا يجد السفير الأميركي في بيروت ما يقوله غير أن “بلاده تتابع التطورات باهتمام وتدعو – هي الأخرى – لضبط النفس”!! وكأن جحافل الجيش اللبناين أو المقاومة الإسلامية قد شارفت على بلوغ تل أبيب!
وهي تضرب في لبنان لتبرر (وتسرع) الرغبة في الاستسلام التي أظهرها عدد من الدول العربية، بقيادة “البنادرة”، قبل مدريد وبعدها، وقبل واشنطن وبعدها، ثم قبل موسكو وبعدها.
إنها تضرب ليأتيها صدى تفاقم الانقسام بين العرب المختلفين على كل شيء، بما في ذلك توصيف الاحتلال، وواجب مقاومته ومستلزمات الصمود… صمود من تبقى.
ووسط هذا كله تتوالى الانهيارات في الداخل، لاسباب أخرى، فيشتد خطر الأزمة الاقتصادية ويعجز مصرف لبنان عن ضبط انهيار سعر صرف الليرة، ويرتفع الدولار فوق الرؤوس جميعاً وترتفع معه أرصدة التجار الجشعين الذين – مثل إسرائيل – يستثمرون الأزمة ليحققوا مزيداً من الأرباح يهربونها أو يهربون بها إلى الخارج.
لكن الحكومة، ولله الحمد، باقية، “ياج جبل ما يهزك ريح”،
ومجلس النواب يستعد لمناغشتها، إن سمحت الظروف والمواج،
وفي انتظار ذلك تستمر إسرائيل في غرس أنيابها في لحم لبنان، فتفرغ بعض جبل عامل من سكانه، وتثير مزيداً من الهلج في بيروت بما يفاقم أكثر وأكثر من مخاطر الأزمة الاقتصادية، مفترضة أن ذلك كله سيرتد على الموقف اللبناني إزاء سوريا، ثم على موقف لبنان وسوريا في واشنطن، وأخيراً على موقف واشنطن.
وليس مطلوباً من هذا الحكم الضعيف أن ينتصر على إسرائيل القوية،
أقصى الطموح ألا يكون سبباً لمزيد من إضعاف لبنان واللبنانيين،
وبرغم أن الموقف “الخارجي” مقبول، ومع التحية لموقف الجيش الصامد، فإن هذا الحكم الركيك يتحمل مسؤولية الأزمة الاقتصادية وتفاقمها بسبب مراهناته الوهمية على مساعدات لن تأتي من جهة، وارتكابات بعض أركانه من جهة أخرى، وهي كثيرة وخطيرة، وغياب الرؤيا والخطة والاهتمام الفعلي بشؤون البلاد والعباد إلا من أنعم الله عليهم بلقب رئيس أو وزير أو نائب أو مستوعب، وهذا أضعف الإيمان!

Exit mobile version