طلال سلمان

على الطريق الشيخ… والخطيئة!

باستمرار، كان ثمة جفوة بين الشيخ بيار الجميل والمنطق السليم،
وكان البعض – من حسني النية – ينسب هذه الجفوة إلى سذاجة الشيخ بيار، سياسياً، وإلى طيبته، وإلى شوفينيته، وبشكل ما إلى نشأته وسط بيئة يفتقر مناخها إلى الروح النضالية وعلى ثقافة هجينة قد تفقد المرء أصالته وتتسبب في تشويه فكره ومنطلقاته الوطنية.
وكان البعض – الأكثر وعياً – ينظر إلى بيار الجميل الشخص المتحلي بهذه المواصفات جميعاً على أنه مجرد أداة تستغلها مجموعة من أصحاب المصالح والرساميل والأهواء والارتباطات لتحقيق أغراضها هي، عن طريق إيهام الشيخ الساذج أن في ذلك مصلحة لبنان المطلق، لبنان الكوني، لبنان الهيولي، لبنان الذي بلا أرض ولا شعب ولا انتماء إلا إلى عصور ما قبل التاريخ.. حيث لا دلالة لذلك إلا نفي وطمس التاريخ الحقيقي، التاريخ الحي النابض بهموم المواطنين وطموحاتهم وأشواقهم إلى غد أفضل.
المهم إن المسرح السياسي عرف بيار الجميل، وباستمرار ، في نسختين متناقضتين في الظاهر متكاملتين في الواقع وفي الدور الملعوب: فهناك الشيخ الجبلي الصريح حتى الخشونة، الذي تكسبه بكلمة وتخسره بكلمة، الذي لايفقه من أمور الدنيا وأحوالها إلا ما يخص قريته وما جاورها حتى حدود القضاء والمحافظة إذا لزم الأمر،
ونظراً للالتباس القائم بين “الجبل” و”الطائفة”، وبين أحوال الدنيا وأحوال الدين، في لبنان، فلقد اضطر الشيخ الريفي إلى توسيع دائرة نشاطه باتساع انتشار الطائفة، وأمره إلى الله،
وهناك القطب السياسي الذي يقنن الطائفية حزباً، ويوظف عواطف “الصغار” في خدمة مصالح “الكبار” ، ويقلب الشعور الوطني إلى عكسه تماماً حين يحوله بالتعصب الأعمى إلى كراهية للأقربين. فاللبناني في نظره مخلوق آخر غير “العربي”، ولكنه “شاطر” بحيث “يبيع” العربي أرضاً وعمارة ومصرفاً مفلساً ومياهاً جارية وهواء “جبلياً” و”كلام جرايد” عن العروبة.. بل ويبيعه العروبة ذاتها على إنها ابتكار لبناني صرف!
وطبيعي إن هذا التعصب سيخلق تعصباً مضاداً، مما سيوفر لمن وراء الشيخ مزيداً من الرواج والازدهار والربح الحرام. وبمقدار ما يقترب الناس من الفتنة، تبرز أهمية الشيخ وامثاله، ويكتسب وجودهم مسوغاً شرعياً، منعاً للفتنة فلنقبل ببيار الجميل محاوراً، ولنقبل به وزيراً، ولنقبل به طرفاً سياسياً، ولنقبل به شريكاً في الحكم.
لكن اللعبة خطرة،
وهي في لحظات معينة تقترب من نقطة الانفجار،
وهذا من صميم التكتيك الطائفي: كلما “همد” الجو وسكن صار ضرورياً تحريك المحظورات والنفخ في نار الفتنة، حتى يقفز “الأبطال” صعداً نحو القمة بالمبرر اليتيم الذي يملكونه: خوف الناس من الفتنة!
غير إن الشيخ بيار الجميل، أو بالتحديد من يقف خلفه وينطقه هذه الأيام بغليظ القول، ومن يحركه ويستغل حركته ويوظف نتائج حركته هذه لمصلحته هو، غير إن هؤلاء نسوا أو تناسوا بعض الحقائق البسيطة ومنها:
1 – إن المواطن اللبناني قد تجاوز، بوعيه، حدود لعبتهم المهينة لكرامته الوطنية، إضافة إلى عقله.
2 – إن سنة التطور قد أسقطت ، تاريخياً، هذه الأنماط من الزعامات التي هي تكرار “لبناني” أشوه للمدرسة النازية والفاشية،
3 – إن القضية الفلسطينية أكبر بكثير منهم ومن لعبتهم. فهذه القضية قد تسببت في إسقاط عروش وممالك، وفي إنهاء إمبراطوريات، وفي تدمير رئاسات وزعامات كان يظن إنها على قاب قوسين أو أدنى من الخلود. إنها قضية لها نارها المقدسة التي تحرق كل يد تمتد إليها بسوء.
4 – إن الدخول إلى الحياة العامة من باب الفتنة لا يعطي هذا الداخل الكريم حق البقاء وحق الوصول إلى سدة الرئاسة بهذا المؤهل “الوطني” المهيب!
إنه قد يقبل على أنه ممثل الفتنة في الحكم، لكن قبوله لا يعني “تبييض” سجله العدلي!
5 – إن لبنان 1975 هو غير لبنان 1958، وهو غير لبنان مواثيق التسوية عام 1943. إنه لبنان وطني، عربي، معافى وسليم على حد كبير. وجماهيره الوطنية والتقدمية اليوم أقوى مليون مرة، وأوعى مليون مرة، مما كانت عليه في السابق. وابسط دليل هو في الفارق بين “جماهيرية” الشيخ بيار ومن معه، وجماهيرية الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية.
6 – إن إسرائيل ليست هي الحصان الذي يمكن أن يراهن عليه أحد يريد أن يزعم لنفسه أدنى صلة بالوطنية والحرص على لبنان ومواطنيه.
ولا يغفر هذه الخطيبة أن يكون مرتكبها شيخاً جبلياً طيباً و”على نياته” أو ساذجاً يغرر به بعض المنتفعين بالفتن الطائفية والمتاجرين بها.

Exit mobile version