طلال سلمان

على الطريق السياحة للعرب والسياسة لإسرائيل

ليس معروفاً على وجه الدقة، إن كان وزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر قد زار أهرام خوفو وخفرع ومنقرع بوصفها من منجزات الإسرائيليين القدامى أم كما تدل أسماؤها والحقيقة التاريخية: مقابر فرعونية بناها قدامى المصريين لملوكهم – الألهة.
إنما المعروف تماماً أن طرفين عربيين من أصل أربعة أطراف مدعوة إلى المفاوضات الثنائية المباشرة مع “عدوها” الإسرائيلي، وبالرعاية الأميركية، يخوضان “معركة” من أجل اللقاء وكريستوفر، مجرد اللقاء، ويحاولان – بكل ما ملكت إيمانهما من وسائل الضغط – إقناع الوزير الآتي ليستمع بأن يستمع إلى كل منهما، مباشرة، مجرد استماع.
فلبنان ليس محطة رسمية على خريطة وارن كريستوفر.
وقد تنجح الوساطات والشفاعات والتمنيات فيمنحه الوزير السائح مثل هذا الشرف، فيطل على بيروت من شتورة مثلاً، حتى لا يموت اللبنانيون بحسرتهم وتلهفهم على اعتراف الأميركيين بجمهورية الطائف التي ساهموا في اصطناعها.
كذلك فالفلسطينيون خارج نطاق الجولة، إلا بعض الوجهاء المدجنين ممن يطمئن الاحتلال الإسرائيلي إلى “موضوعيتهم” التي تبقيهم خارج نطاق التمثيل الشرعي والرسمي لبلادهم (منظمة التحرير) وكذلك خارج دائرة التمثيل الشعبي المباشر (رموز الانتفاضة وقياداتها وبينها “حماس” و”الجهاد الإسلامي” ومنظمات أخرى مصنفة إرهابية أو مرشحة لمثل هذا التصنيف).
ولولا المحطة الصعبة في دمشق، لبدت رحلة كريستوفر “سياحية” لدى العرب “سياسية” في إسرائيل، وليس إلا في إسرائيل.
ولقد نجح الإسرائيليون في استرهان جولة كريستوفر هذه وضبطها تحت سقف مصالحهم، إذ استبقوها بتعديلات جوهرية في مسلكهم إزاء الفلسطينيين واللبنانيين خصوصاً، وإزاء العرب عموماً، ستفرض تبديلاً على جدول أعمال الوزير الأميركي ومقاربته لموضوع الجولة: أي “مؤتمر السلام” والمفاوضات المنبثقة عنه.
لم يعد موضوع الحديث (المفترض) مع الفلسطينيين، الحكم الذاتي ومواعيد المباشرة بتطبيقه، بل بقاء الفلسطينيين فوق أرضهم وعدم “شرعنة” الاقتلاع الإسرائيلي لهم وطردهم إلى صقيع العراء والنسيان.
كذلك فقد بات المطلب اللبناني الملح (وكذا الفلسطيني) تنفيذ القرار 799 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والقاضي بإعادة المقتلعين الفلسطينيين إلى أرضهم، وليس القرار 425 الصادر عن المجلس ذاته قبل أربع عشرة سنة والقاضي بإعادة الأرض اللبنانية المحتلة. في الجنوب والبقاع الغربي إلى الدولة اللبنانية وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي منها “فوراً وبغير شروط”.
تفرض إسرائيل أمراً واقعاً جديداً، على الأميركي أولاً، ومن خلفه على مجلس الأمن الدولي، وبالتالي على العالم أجمع، ويكون على العرب أن يتنازلوا إما عن أرضهم (كما في حالة لبنان) وإما عن بقائهم فوق أرضهم (كما في فلسطين).
… فمتى إذن يجيء الدور على الانسحاب الشامل تطبيقاً لمبدأ (؟!) الأرض مقابل السلام وسائر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بدءاً بالقرار 191 وانتهاء بالقرار 338؟!
أليست اللعبة مكررة وممجوجة: مع كل إدارة جديدة، يأتي موفدون جدد للاستماع والتعرف إلى طبيعة الأزمة، فإذا ما وعوها واقتربوا من فهمها وتفهم معطياتها، بدلت إسرائيل – بالقوة – الواقع بأمر واقع جديد، وتبدلت الإدارة الأميركية، فبات لزاماً على العرب أن يعيدوا ترتيب مطالبهم بحذف “المعقد” منها و”المستحيل” لمحاولة استدراك الخسائر الجديدة بأخذ الممكن وإن كان غير مرض وغير مقبول؟!
بين الأميركي السياسي والأميركي السائح ثمة إسرائيلي مسلح وثمة عربي عاجز عن الفعل، وبالتالي عن الإقناع.
لذا يصعب اعتبار لبنان منتصراً إذا ما تواضع كريستوفر وقبل الرجاء بأن يشرفه بزيارته،
كذلك يصعب اعتبار الفلسطينيين منتصرين حتى لو أعيد المقتلعون غداً إلى أرضهم.
لو تم الأمر الأول ومعه الأمر الثاني لكنا قد عدنا فقط إلى حيث كنا، قبل بضعة شهور، فأين إذن النصر؟!
… خصوصاً وأن ما فات قد مات، وما مضى لن يعود، والأمر الواقع الجديد قد ألغى ما كان واقعاً وتبدل،
وهذا ينطبق على الأميركيين كما على الإسرائيليين كما على العرب أجمعين!

Exit mobile version