طلال سلمان

على الطريق السفير بدل المساعدات؟!

جاءتنا السعودية، أخيراً، عبر سفيرها في دمشق، بعدما رفضت أن نذهب إليها عبر “إعلان دمشق”،
ولعلها تقصدت أن تستعيد اعتبارها في لبنان بإعادة سفيرها القديم فيه، أحمد الكحيمي، مفترضة أنه يرجع محصناً بخبرة إضافية اكتسبها من خلال وجوده “اللبناني” في دمشق، و”السوري” في لبنان، طوال الفترة الحرجة التي عطلت الدور السعودي الفاعل، رسمياً على الأقل، في بيروت.
كثيرون سيعتبرون عودة السعودية، رسمياً، إلى بيروت إعلاناً إضافياً بانتهاء الحرب اللبنانية ومعها الحروب العربية – العربية فوق أرض لبنان،
والبعض يرى في إعادة السفير السعودي “سنونو” يبشر بقرب إعادة فتح القنصلية الأميركية في بيروت،
لكن أحداً لم ير في إعادة السفير بشارة بتهاطل المساعدات السعودية للبنان وعليه.
وبالمقابل فإن كثيرين يربطون بين قرب (؟) عودة القنصل الأميركي وبين احتمالات وصول المفاوضات العربية – الإسرائيلية إلى نتائج محددة عبر النصف الثاني من العام 1993.
لكن هؤلاء وأولئك ما زالوا حائرين في فهم القصد اللبناني من تقديم طلب الانتساب إلى دول إعلان دمشق، بينما تتوالى البيانات والتصريحات الرسمية عن وفاة ذلك الإعلان وعن دفنه، بل وعن حقيقة إنه قد ولد ميتاً، بدليل أن سعود الفيصل قد سمع ما لا يعجبه من أعمامه في الرياض فور عودته من دمشق بعد التوقيع على تلك الورقة المتضمنة الحد الأدنى من حقوق التعويض عن الخسائر المعنوية والمادية التي منيت بها كل من سوريا ومصر نتيجة حرب الخليج.
وبغض النظر عن الدلالات المحلية للقرار السعودي بإعادة “السفير المقيم” إلى بيروت، وهو مطلب كان حمله رئيس الجمهورية إلى المسؤولين السعوديين خلال زيارته الأخيرة للمملكة، فإن التوقيت يظل ملفتاً ويمكن أن يكون مصدراً لمجموعة من التساؤلات البريئة وغير البريئة.
ومع أن اللبنانيين يرحبون بعودة أي أخ عربي إلى لبنان، وبعودة جميع السفراء والقناصل والسفارات والقنصليات العربية. ويرون ذلك بين حقوقهم الطبيعية على أشقائهم، فإنهم يتمنون ألا تبقى تلك العودة “شكلية” أي بروتوكولية، وهدفها استيفاء الشكل ليس إلا.
فالسفراء مهمون، لكن القرار بمساعدة لبنان ورعايته للخروج من محنته هو المطلب وهو الهدف.
وعودة السفارات مهمة قطعاً، لكن عودة “العرب”، أي الرساميل والأنشطة الاقتصادية والشركات والمصطافين والمقيمين وأصحاب المشروعات المشتركة، تبقى هي المطلب،
كذلك يبقى المطلب أن تفتح السعودية وسائر أقطار الخليج أبوابها للصادرات اللبنانية، زراعية كانت أم صناعية، وللأنشطة اللبنانية المختلفة التي يمكن أن تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها اللبنانيون في ظل “جمهورية الطائف”.
إن القرار بإعادة السفير يظل في النطاق المعنوي، وهو مفيد قطعاً. لكن حاجة لبنان الفعلية الآن إلى ما يتجاوز المعنويات.
وليس كثيراً على لبنان أن يعاد إليه السفير السعودي بينما سفراء روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، لم يتركوه أبداً حتى في أحرج لحظات الحرب الطويلة، وبينما المخاطر الأمنية تهددهم جميعاً، وبينما سفير الولايات المتحدة الأميركية يجوب أنحاءه، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، بلا انقطاع، ويؤكد بحضوره أن الدول لا ترسم سياساتها ساعة فساعة، ولا تعدلها لأن موظفاً من موظفيها قد اختطف أو اغتيل أو وصلته تهديدات طائشة بالقتل.
… ونعود إلى اتفاق دمشق ومحاولة لبنان استلحاق الانتساب إليه،
لقد جرب لبنان أن يحظى برعاية أشقائه في السعودية والخليج مباشرة، وعبر زيارات متكررة لكبار المسؤولين فيه، فلم ينجح في استدرار عطفهم إلا شفهياً وعبر كلام المواساة والنصح بالصبر الجميل حتى يبدل الله الحال بأفضل منه.
كذلك سبق لبنان إخوانه جميعاً بالموقف الحاد ضد غزوة صدام حسين للكويت، وعرض ما تيسر من عسكره القليل للمشاركة في “حملة تحريرها”، فلا قبل العرب ولا تم التعبير عن العرفان بالجميل.
وها هو لبنان يذهب عبر بوابة إعلان دمشق، لعل وعسى، وسبحان من يحيي العظام وهي رميم،
فهل مجيء الكحيمي هو الجواب أم أنه محاولة لاستكشاف أبعاد السؤال عن الدور السعودي في الحال والاستقبال،
واين تقع هذه العودة من مسار المفاوضات التي ستفتتح غداً، في واشنطن، جولتها العاشرة والتي يشاع إنها قد تكون حاسمة؟.
في أي حال فإن السفير العائد ليس بحاجة لمن يعرفه إلى لبنان واللبنانيين،
لكن مشكلته، إن كان سيصادف أية مشكلة، ستكون مع الرياض وليس مع بيروت، ولا خاصة مع دمشق، التي جاجءنا عبر بوابتها الواسعة.

Exit mobile version