طلال سلمان

على الطريق السفارة، الجبل والحرب!

ليس مبالغة أن ينظر إلى تفجير السفارة الأميركية في بيروت على أنه “تفخيخ” لاحتمالات الحل الدولي، شكلاً، الأميركي فعلياً، لما بات يسمى “المسألة اللبنانية”، وإعادة تحجيم للدور الأميركي الذي يغطي مساحة واسعة عبر الأعداد، والرعاية والإشراف والمشاركة عسكرياً وسياسياً من خلال المفاوضات لإجلاء الاحتلال الإسرائيلي.
وليس مبالغة أن ينظر إلى هذا الحادث على أنه حدث ومنعطف خطير ومدخل إلى مرحلة جديدة في مسار “المسألة اللبنانية” أبرز سماتها غلبة واضحة للمشروع الإسرائيلي في لبنان، على كل ما عداه، بكل ما يعنيه ذلك من مخاطر مصيرية على لبنان وسائر الأقطار العربية.
وإذا ما تمت محاكمة الحادث – الحدث في ضوء تحديد دقيق للمستفيد منه، والقادر على تنفيذه في الوقت معاً، فلن يبقى في قفص الاتهام غير إسرائيل.
ومن هنا فقد رأى كثيرون، في بيروت وغيرها من عواصم العرب والعالم، إن الحادث يشكل نقطة افتراق كبرى بين واشنطن وتل أبيب، تجيء في لحظة تفوق إسرائيلي واضح (على الأرض) ، وتهدد من ثم لبنان في حلمه الأعز: قيامة دولته واستعادة سيادته واستقلاله ليكون وطناً لمواطنيه.
ولقد جاء هذا الحدث متواقتاً مع تعثر المفاوضات الثلاثية، كاد يغيب أي توقع لنهاية قريبة لها، ناهيك عن أن تكون هذه النهاية مقبولة لبنانياً، وصالحة لاعتمادها أساساَ لحل يبقي لبنان لبنان.
كذلك تزامن هذا الحدث مع سلسلة من التدابير والاجراءات والتصريحات والتصرفات “المبشرة” بعودة لغة الحرب الأهلية وبعض “تقاليدها” و”طقوسها” إلى سوق التداول… بثياب الميدان!
فاحتفالات 13 نيسان (وهو يوم للحزن، بكل المعاني) بما تضمنته من خطب ومظاهر عسكرية، وبالتحديد في مناطق ترزح تحت الاحتلال الإسرايلي،
والحشود التي تحشد لإكمال الطوق من حول “الجبل الدرزي” بدءاً من جزين وصولاً إلى المشرف وانتهاء بخطة محاصرة عاليه وعزلها عن المتن وعن الشوف في آن.
والتحريض اليومي المكشوف الذي يمارسه “الشارونيون” عبر أجهزة أعلام نافذة ومؤثرة وضاغطة على مواقع القرار في الدولة، ضد كل من عداهم الناس، وبالتحديد ضد كل من يصنفونه يسارياً، أو تقدمياً، أو عروبياً، إضافة إلى العرب جميعاً بمن فيهم أصحاب المصارف والأكاديميون والتجار،
وهذا الحديث المتجدد عن بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية بوصفهما قاعدتان للإرهاب الدولي، وهو حديث يبرئ ساحة إسرائيل مجاناً، ويبرر منطقها المعادي لقيام دولة – أي دولة – في لبنان، من خلال التشكيك بقدرة جيشها على حفظ الأمن، ولو في حدود العاصمة وحدها!
كل هذا يجيء معاً، ودفعة واحدة، بينما لا مجال للمصادفات في لعبة الأمم وأطماع المحتلين!
ومعه، بالضبط، يتجدد الحديث، دولياً عن صعوبة العودة إلى صيغة لبنان الموحد، وتطرح أوساط عرف عنها الحرص على لبنان بحدوده الراهنة فكرة “الفيدرالية”، وهي الفكرة التي تروج لها – ولأغراض مختلفة – أوساط إسرائيلية كخطوة على طريق جرجرة لبنان نحو التقسيم بل التفتيت والتشليع.
وهكذا يتسق المنطق الإسرائيلي ويتكامل في ظل مشروع محدد: إعادة توظيف المنتفعين بالحرب الأهلية والمتضررين من انتهائها لإثبات عجز الدولة عن إنجاز مهمة توحيد الوطن، وتوظيف هذا العجز لنسف أي دور أميركي (ودولي) محتمل من شأنه المساعدة على قيام دولة قوية في لبنان موحد.
وفي غياب الدولة ومشروع الوطن يمكن لإسرائيل أن تقتطع من لبنان ما تشاء، إضافة إلى أن ذلك يسهل لها عملية ابتلاع الضفة الغربية وقطاع غزة، نهائياً، وتهجير أصحاب الأرض والبلاد إلى ديار الشتات.
هل هذه دعوة للياس والاستسلام للقدر الإسرائيلي؟!
أبداً، إنها دعوة على الصحوة والتنبه والعمل على إفشال المشروع الإسرائيلي الذي يكاد يكتسب باللحم أمام عيوننا،
إنها دعوة للدولة بأن تسرع حركتها، سياسياً، بحيث تنفس مواقع الاحتقان التي يمكن لإسرائيل أن توظف التفجيرات المتوقعة فيها لإدامة احتلالها لبعض لبنان ولرهن إرادة لبنان كله.
وأبرز مواقع الاحتقان وأخطرها، في هذه اللحظة: الجبل، ومعه وعبره الصيغة السياسية التي يمكن لبيروت الغربية والضاحية الجنوبية (ومعها طرابلس والشمال والبقاع من دون أن ننسى الجنوب المنسي) أن تجد نفسها فيها بغير دمغات وأوصاف مهينة تمتد من اعتبارها أوكاراً للإرهاب لتطويرها وكأنها مراتع “للمحتلين الآخرين”!!
ومثل هذه الخطوة الشجاعة قد تشكل مدخلاً إلى تاريخ جديد،
… في انتظار أن يتدخل السلاح (اللبناني والعربي) في صياغة التاريخ الصياغة التي تحفظ لنا ما تبقى من الكرامة والجدارة بشرف الحياة.

Exit mobile version