طلال سلمان

على الطريق السرّ… فلسطيني

أهم سبب للقبول الوطني العام بالحل المطروح للأزمة اللبنانية إنه “حل سوري”.
وسر “السحر” في هذا الحل أن سوريا الآتية إلى لبنان هي سوريا المقاتلة في فلسطين ومن أجلها الباقية بعد في ساحتها والمنسقة مع حركتها الثورية المجسدة في المقاومة الفلسطينية المسلحة.
وقد استغلق فهم هذا “السر” على كثير من الحكام العرب أبرزهم الرئيس أنور السادات فطفق يتساءل بمرارة: لماذا الأسد لا أنا؟ لماذا النظام السوري وليس النظام المصري؟!
الجواب سهل وبسيط ومحدد وواضح تماماً. إنه يتصل “بفلسطينية” هذا الحاكم وذاك. وطبيعي أن لا يكون للخارج من ساحة فلسطين من الحقوق على لبنان، أو غيره، مثل ما للرابط مصيره بفلسطين وقضيتها.
وأكيد إن المقاومة ما كانت لتوافق على هذا الحل لولا “فلسطينية” مقدمه والعامل على إنجاحه.
بهذا المعنى كان الحل السوري “عربياً” يجب كل ما عداه من “المبادرات” العربية، وأبرزها المبادرة الكويتية الشهيرة التي رثاها الرئيس السادات بكثير من التحسر على فشلها.
كان الاتفاق في القاهرة يوم كان حاكم القاهرة هو “العرب”. ولقد كان جمال عبد الناصر “العرب” بشهادة ولائه لفلسطين وعمله من أجل قضيتها. وكانت فلسطينيته أساساً في دور الريادة والزعامة التي انعقد له لواؤها على امتداد سنوات.
أكثر من ذلك: كانت فلسطين في أساس وحدوية عبد الناصر ونجاحه في إقامة أول دولة للوحدة في تاريخ العرب الحديث.
ودمشق قوية اليوم بفلسطينيتها، ومنها تستمد حقوقاً لا تعطيها إلا فلسطين.
وبمقدار ما كان لبنان الشعب فلسطينياً كان النظام اللبناني ضعيفاً لأنه غاب – بالخوف أو بالقصور – عن ساحة فلسطين، بل وأخذ يتحول تدريجياً إلى موقع العداء لها.
على إن لبنان – النظام لم يفقد قوته كلها، ولا نسي أهله مصالحهم الفعلية في استمراره على ما هو عليه، مع تغييرات طفيفة في الشكل.
من هنا فقد استطاعوا، على هامش الحل السوري وعبره، تحويل المطالب الوطنية إلى مجموعة من الغنائم الطائفية، بل وتكريس الواقع الطائفي كقدر أبدي لا مفر منه ولا مناص.
والمفارقة مفجعة : فعلى حساب الحلم بدولة ديمقراطية علمانية في فلسطين ترسخ وتعمق ملامح الدولة الطائفية في لبنان…
لكن فلسطين، القضية والثورة، هي الأقوى.
والعروبة لم تعد حرزاً أو تميمة للطائفيين والرجعيين.
ولبنان الجديد الذي اقتحمته فلسطين، عبر سوريا ومعها، سيواصل النضال من أجل تحرير ذاته من ترسبات عهود القهر الاستعماري المتبقية في قواقع التعصب الطائفي.
وبمقدار ما يتقدم لبنان إلى انتمائه القومي الحقيقي، وبمقدار ما تتقدم أمته نحو غدها الأفضل، وعلى الطريق الفلسطيني، يبرأ لبنان من نقصه وتبرأ الأمة العربية من أمراض عصور القهر الاستعماري الطويل.

Exit mobile version