طلال سلمان

على الطريق السباق إلى العدو…

تتنافس الأنظمة العربية في نفاق العدو الإسرائيلي حتى ليبدو كأن لا حاجة إلى المفاوضات أو معاهدات الصلح سواء أكان منفرداً أم جماعياً.
كأنها كانت مثقلة بأعباء الصراع، وهي في الغالب الأعم لم تدخله جدياً في أي يوم، وكأنها قد أنهكها “النضال” من أجل تحرير فلسطين واستعادتها إلى أحضان أمتها العربية.
كان الظن إنهم ذاهبون بالعروبة إلى فلسطين، فإذا بهم يأتون بإسرائيل إلى قلب الأقطار التي يحكمون.
وكان الظن إنهم يعملون لتحرير إرادة الأمة، فإذا بهم يرهنون أقطارهم ويحاصرون الأمة كلها لتقع في أسر القرار الإسرائيلي.
الذريعة دائماً: استرضاء الولايات المتحدة الأميركية.
… لكنهم يعطون تل أبيب فوق ما تطلب أو تريد واشنطن.
آخر “الهدايا” العربية التي تتوسل بها الأنظمة رضا إسرائيل وشراء عفوها عنها، هذا القرار الرسمي الذي أعلنته “كويت ما بعد التحرير” أمس، والقاضي بإسقاط المقاطعة العربية لإسرائيل والاعتذار عنها و”التعهد” بتعويض الشركات الغربية التي تضررت منها!
أمرها عجب “الكويت المحررة”، والأعجب هو هذا التحرير الذي شطب تاريخ الكويت وهوية شعبها ودورها العربي!
إن النظام الكويتي يعطي نفسه الحق بتأديب المواطنين العرب كافة، وليس فقط حكامهم!
فهو لم ينتقم فقط ممن ناصر صدام حسين في غزوته الحمقاء، ولا هو اكتفى بوضع “المحايدين” أو الصامتين على اللائحة السوداء.
لقد نفض يده من موضوع لبنان، وأشاح بدنانيره عنه، وتجاهل كل الطلبات والمناشدات وحتى التوسلات الرسمية بمساعدته، علماً بأن لبنان الرسمي كان المبادر إلى إدانة جريمة صدام حسين، في حين أن لبنان الشعبي قد احتضن أخوته الكويتيين وساند قضيتهم إعلامياً وسياسياً ودائماً، في نطاق إمكاناته..
أكثر من هذا: إن كويت ما بعد التحرير تكاد تنكر دماء الجنود المصريين والسوريين الذين بذلوها رخيصة من أجل عودتها إلى عروبتها.
والمماحكة حول إعلان دمشق وهل هو حي فيرجى أم ميت فيبكى صارت أشهر من حكاية إبريق الزيت.
المقاولات للأميركي، المليارات للأميركي، إعادة البناء للأميركي، وإعادة التسلح صفقات يقتطع منها الأميركي حصة الأسد ثم يوزع الباقي على شركائه الغربيين في التحالف الدولي،
وتصدر الكويت الحرة على العربي عموماً بعدم الأهلية: فلا هو ينفع في السياسة ولا في العسكر ولا في التدريس ولا في المقاولات ولا يستطيع منافسة الفيليبيني أو الكوري في الأعمال اليدوية… إنه باختصار لا يصلح لشيء!
لنعد إلى “الهدايا العربية” للاحتلال الإسرائيلي،
ليس بيننا من يطالب أي نظام عربي، ولاسيما جماعة المغرب العربي أو جماعة الجزيرة والخليج، بأن يجيش الجيوش ويتبنى شعار “زحفاً زحفاً حتى القدس”.
وليس ثمة من يطالبهم بأن يساعدوا مصر حتى لا يقهرها جوعها فيذلها الأجنبي بفرض إرادته عليها،
… أو من يطالبهم بشراء السلاح لتعزيز قدرات الجيش العربي السوري بعدما أوصدت في وجهه أبواب مصادر السلاح بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واندثار المعسكر الاشتراكي ووصول إسرائيل “غازية” على الهند وصين ماوتسي تونغ.
كذلك فليس بيننا من يطالبهم بأن يهبوا لنجدة أخوانهم الفلسطينيين المهددين بالسحق، داخل أرضهم، فيمدوهم بأسباب الصمود والاستمرار على قيد الحياة في غياهب الحصار والتجويع والإبادة المنظمة،
أقصى الطموح كان أن تبقى الكويت حيث كانت، مشغولة بإنجاز بنيتها التحتية الحديثة على رمال صحراء الخليج، ومنهمكة في ممارسة دورها كقوة عظمى ترسم السياسات وتقرر المصائر للشعوب المستضعفة.
بل إن أعظم المطالب أن يكفينا بعض النظام الكويتي شره، فلا يتحول إلى أداة ضغط علينا، نحن اللبنانيين، والسوريين والفلسطينيين، ممن نعاني من آثام الاحتلال الإسرائيلي ومصائبه اليومية.
تواضعت طموحاتنا ومطالبنا من أشقائنا في الأقطار العربية حاكمين و”محكومين”، إذا صدقنا رواية “الحجاج الليبيين” وأصحاب الرأي والاجتهاد والكتاب المتطوعين من “المشايخ الكويتيين”،
لم يعد في أحلامنا أن يمتنع الحسن الثاني عن استقبال الوزراء أو الجنرالات (السفاحين) الإسرائيليين (ربما لإقناعهم بالخروج من عاصمتهم الأبدية، أورشليم – القدس، التي يرئس لجنتها!!).
ولم يعد في مقدورنا أن نمنع الضابط زين العابدين بن علي عن فتح أبواب تونس للضيوف الرسميين الآتين من إسرايئل، وهو ما لم يقدم عليه “المجاهد الأكبر” الحبيب بورقيبة،
ولم يعد يريدنا معمر القذافي جنوداً للثورة العربية، أو أعضاء في جيل الغضب الساعي لتحقيق سعادة الإنسان وفق مبادئ النظرية العالمية الثالثة،
ولم نعد بقادرين على الطلب إليه أن يحفظ رايات الوحدة العربية التي جعله جمال عبد الناصر الأمين عليها.
وبتنا نتردد في أن نسأله كيف تحولت “القدس” من كلمة السر في “ثورة الفاتح” إلى “معبر” إلى الرضا الأميركي عبر الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وهي التي كانت تستوطن وجدان الفتى الثائر معمر أبو منيار القذافي وهو طالب بعد في سبها، عاصمة فزان، يكتب في زوايا بريد القراء في الصحف الليبية داعياً إلى تحريرها بالكفاح المسلح،
كل ما نتمناه على أخوتنا المتعجلين بل المتلهفين على الرضا الإسرائيلي أن يسيروا بخطانا، نحن أضعفهم، فلا يسابقوننا ولا يسبقوننا، إلى .. هاوية الاستسلام!
لقد ذهبنا مرغمين إلى طاولة المفاوضات،
وذهبنا تقريباً بغير سلاح، إلا بقية من إرادة، ومن حنكمة، ومن فطنة إلى عقدة الذنب الأميركية بعدما سحق الرئيس الأميركي جورج بوش الأمة العربية كلها بذريعة خطيئة صدام حسين.
وها هي الوفد العربية (الفلسطينية – السورية – اللبنانية والأردنية) تحاول استنفاذ ما يمكن إنقاذه من الأرض العربية والمصير العربي…
أفلا يتكرم علينا الأشقاء بقليل من تلك “المادة” التي يرمونها في سلال المهملات: الوقت؟!
أكثير أن نطلب منهم ألا يكونوا أعظم تعجلاً علينا من إسرائيل، ناهيك بالولايات المتحدة الأميركية؟!
إنهم عرب الأميركان، لا بأس، فلماذا يصرون على أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك الأميركي؟!
لماذا هذا السخاء في التفريط والتنازل والاستسلام؟!
… وماذا يتبقى لكي نفاوض عليه، ثم لنصالح عليه، وقد تبرعوا بتواقيعهم المجانية على صكوك التنازل جميعاً، وبغير طلب؟!
أين الأرض العربية المحتلة؟!
نخشى أن تكون إسرائيل وهي تفاوض كأشرس ما يكون التفاوض على الجولان وجنوب لبنان وبعض فلسطين، قد وصلت باحتلالها إلى آخر الأرض العربية، مشرقاً ومغرباً.
أليست مفارقة أن نشهد في نهايات القرن تزاحماً عربياً في طلبات الاسترحام يقدمها معظم الأنظمة العربية للعدو الصليبي الغربي، كما للصهاينة بأن يتفضلوا باحتلال أراضينا وفرض وصايتهم وانتدابهم علينا؟!
ووزراء دول الطوق مجتمعون في عمان “ليقرروا” هل يذهبون إلى الجولة العاشرة أم لا،
أليس الأجدى أن يفاوض العرب بعضهم البعض أولاً؟! أم أن العدو صار أقرب إلى العربي، من نفسه؟!

Exit mobile version