طلال سلمان

على الطريق الساحر والحقائق البسيطة!

لم يتغير شيء في كيسنجر.
والباحثون في الأوضاع الداخلية الأميركية عن أسباب لخيبة أملهم في “العزيز هنري” وفي قدراته السحرية، لن يخرجوا لا بما يبرر الأمل السابق ولا الخيبة اللاحقة،
ومثلهم أولئك الذين يبحثون عن الأسباب – الألغاز في أسعار النفط العربي وتأثيراتها “المفجعة” على مستقبل الجنس البشري برمته!
وحتى من يبحث عن أسباب مقنعة في ما طرأ على أشخاص الحكام العرب المعنيين من تحولات، لن يصل إلى نتيجة، فما زالوا هم هم، لم يتغير منهم أحد، ولا تحول الأشقر فيهم إلى أسمر أو العكس بالعكس…
الذي تغير يتجاوز الأشخاص جميعاً لأنه يتصل بالحقائق الأساسية لأوضاع المنطقة العربية، بل ببديهيات هذا الوضع..
فقبل عام، وفي حمى الضياع بين حدود الانتصار العربي والهزيمة الإسرائيلية، وأسباب هذه وذاك، اختفت حقيقة بسيطة مثل: إن الحرب لم تقم بسبب خلاف على الحدود بين مجموعة من الدول المتجاورة، وإن الحل بالتالي لا يمكن أن يجيء على شكل تعديلات جغرافية طفيفة فتنتظم مسيرة التاريخ مجدداً، وكأن شيئاً لم يكن.
واختفت، أو كادت تختفي حقيقة أخرى بسيطة هي: إن الحرب كانت الرابعة في مدى ربع قرن من صراع الوجود بين العرب والحركة الصهيونية المتحالفة عضوياً مع الإمبريالية العالمية، وإن التسوية بالتالي لا يمكن أن تتعامل مع نتائجها المباشرة منفصلة عما كان خلال عشرات السنين الماضية (بدءاً بمؤتمر بال، مروراً بوعد بلفور، فالحرب الأولى والهدنة الأولى والتقسيم والعدوان الثلاثي في العام 1956، والحرب الثالثة في 5 حزيران 1967)، وعما سيكون بعد حرب رمضان من حروبتفرضها طبيعة الصراع بين إرادة التحرر والوحدة والتقدم عند الشعب العربي وبين إسرائيل كتجسيد مادي لحركة استيطانية استعمارية عنصرية نازية في تركيبها وفي فكرها وتوجهها.
واختفت حقيقة ثالثة بسيطة مثل إن شعب فلسطين مشرد خارج أرضه، وإن تشريده بالغصب والقهر، هو نقطة تفجير الوضع في الماضي والحاضر والمستقبل، وإن القفز من فوق هذه الحقيقة كانت السبب في قيام الحروب الأربع، وسيكون “خميرة” الحروب المقبلة.
والذي حدث خلال العام المنقضي على حرب رمضان إن فلسطين، بزخمها كقضية ثورية وبرسوخها في ضمير المواطن العربي وفي تفاصيل حياته اليومية، استطاعت أن تعود لتفرض وجودها وذاتها على مسرح الأحداث وعلى صانعيها.
وأمام جدار فلسطين، وليس أمام آبار النفط ولا أمام مساحات الأراضي المطلوب التنازل عنها، تحطمت أسطورة كيسنجر وأحلام الذين راهنوا على قدراته السحرية، وعلى إمكان أن ينساق الناس معهم مبتعدين عن الأصل إلى الفرع، وعن الوطن إلى التفاصيل الجغرافية للأراضي وحدودها.
ومع كون فلسطين هي الحاضر الأكبر في المنطقة الآن تضاءل حجم كيسنجر فبدا صغيراً وعاجزاً، مثله في ذلك مثل الذين يتجاهلون هذه الحقيقة من العرب (والفلسطينيين ضمناً)، ويطلبون حلولاً وهمية من سحرة ومشعوذين لقضية جارحة في حقيقتها مثل قضية فلسطين،
أما الشعب العربي فلم يخسر شيئاً، لأنه في الأصل لم يكن طرفاً في اللعبة التي تقترب الآن من نهايتها، والتي سيدفع كثيرون – غير نيكسون، وفي غير واشنطن – ثمن ضياعهم عن حقيقتها البسيطة البسيطة!

Exit mobile version