طلال سلمان

على الطريق الزيارة الثالثة للرئيس الجميل نماذج من حوارات في واشنطن

من المؤكد أن الرئيس أمين الجميل سيجد اليوم واشنطن أخرى تستقبله غير واشنطن التي استقبلته مرتين من قبل، وكل مرة بطريقة مختلفة.
لقد وصلها أول مرة رئيس إجماع وانتظرت أن تسمع منه فإذا به يسألها واستقبلته في مرة ثانية كطرف في نزاع متفوح، ولم تتورع من إعلان اختلافها معه وتحميله ضمناً مسؤولية ما يشكو منه.
اليوم سيجدها الرئيس الجميل أكثر برودة وأقل اهتماماً وأنقص حماسة مما كانت قبل سنة مثلاً، للانغماس في ما يحمله إليها من مشاكل وهموم على رأسها إنجازهما المشترك اتفاق 17 أيار الذي أدخل لبنان في نفق معتم مجهول المدى والمخرج.
وسيجد رئيساً مشغولاً بنفسه أكثر من انشغاله بالعالم، مترعاً بنشوة النصر العسكري الذي رفع أسهمه لمدة ثانية في الرئاسة، متخوفاً من انتكاسة في لبنان تضيع هليه كل شيء، خصوصاً وهو يرى نفسه كرجل أمام بيضة رخ لا يعرف كيف يتسلقها ولا يريد أن يتخلى عنها.
إنه يريد حلاً مشرفاً لإنقاذ ثم لإخراج عسكره، لكن الحل المشرف يستلزم تسوية سياسية وإن اتخذت نبرة عسكرية والتسوية السياسية لا بد لها من الاصطدام بجدار الاتفاق اللبناني – الإسرائيلي، وهكذا فلا بد من حل لهذه “المشكلة” التي صورت وكأنها هي الحل ذات يوم، والحل يحتاج حواراً مع دمشق لكن الحوار مع دمشق وفي ظل موقفها المعلن من الاتفاق يخلق مشكلة جديدة مع الإسرائيليين، وريغان لا يريد بالتأكيد مشكلة مع الإسرائيليين لاسيما في هذا الظرف الانتخابي الدقيق.
وهكذا فالمرجح أن يترك الضغط على الطرف الأضعف، وهو مبدئياً الطرف اللبناني. لاسيما وإنه يعود الآن إلى واشنطن بمنطق معاكس لذلك الذي تحدث فيه مع الأميركيين من قبل، خصوصاً في زيارته الأخيرة قبل حوالي أربعة أشهر، على إن الطرف اللبناني ليس ضعيفاً إلى هذا الحد نتيجة لمعطيات كثيرة عكست نفسها على الأرض بين 17 أيار ويومنا هذا مروراً بما كان ببيروت والضاحية والجبل، وصولاً إلى جنيف الأولى… وكذلك فالرئيس الأميركي يحتاج الحكم اللبناني القوي بتحالفاته السياسية الداخلية كما بعلاقاته العربية، غطاء لإبقاء المارينز أو خاصة لتأمين خروجهم سالمين من لبنانز
أي إن الطرف اللبناني يصبح قوياً بقدر ما يستجمع نقاط قوته الفعلية ويكون أضعف، بل الأضعف، إذا ما فرط فيها واستمر على رهانه البائس، أي اعتبار أوراق الحل جميعاً بيد واشنطن، وهو أمر ينكره الأميركيون، ويستغربون أن يفكر فيه أحد، ولعل ذلك ما دفع بالرئيس المصري حسني مبارك إلى إسقاط هذا المنطق والقول إن 100 بالمئة من أوراق الحل هي في يد العرب.
وهم في واشنطن يواجهون زيارة الرئيس الجميل بكثير من الحرج لأنهم يدركون إنه آت إليهم وهو يحمل “كرة النار” التي أهدوه إياها ذات يوم، وبالتحديد في 17 أيار الماضي، طالباً أن يعفوه من شرب هذا الكأس، وهم بالتأكيد قد حاولوا مع الإسرائيليين عبر الاتصالات المستمرة وأخيراً عبر اللقاءات مع شامير وارينز الوصول إلى صيغة ما تحقق توازناً ما بين مطالب الأطراف جميعاً وهي متناقضة بل متصادمة. لكن من يملك فرض الحل – المعجزة. الذي “يرضي سوريا من غير أن يغضب إسرائيل، ويحفظ في الوقت ذاته ماء الوجه الأميركي”، ويضمن بالتالي للحكم في لبنان الحد الأدنى المنشود في الثبات والاستقرار بقوة الائتلاف الوطني المدعوم عربياً.
ذلك هو السؤال الذي تسمعه يتردد في مختلف الأوساط السياسية في واشنطن منن غير أن تسمع إجابات واضحة ومحددة عليه.
وإذا كانت سوريا قد فرضت نفسها “محاضر أكبر” في محادثات ريغان – شامير، فمن المؤكد إنها ستكون أيضاً الحاضر الأكبر في محادثات الجميل – ريغان، خصوصاً وقد نجحت في إعادة الموضوع إلى صورته الأولى : مشكلة نجمت عن الاحتلال الإسرائيلي وتفاقمت مخاطرها عبر أسلوب العلاج الأميركي الخاطئ، وعبر التسرع اللبناني في التعاطي مع النتائج وكأنها قدر لا يرد.. وهكذا فلا بد أن يتكفل هؤلاء الأطراف الثلاثة بإيجاد الحل المقبول.
فكيف تبدو صورة لبنان في واشنطن الآن، وبعيداً عن شبح حسين الموسوي الذي يملأ العيون والمسامع وبعيداً أيضاً عن روح الانتقام التي تملأ جوانح الإدارة الريغانية بغير أن تعرف أين تماماً ومتى تماماً وكيف تماماً وممن تماماً يكون انتقامها المتوازي مع قدراتها كقوة عظمى.
لا تحتاج إلى كثير من الجهد وأنت في العاصمة الأميركية لكي تكتشف إن واشنطن “اللبنانية” أسطورة سخيفة. وإن الهم اللبناني لا يحتل مكاناً خاصاً في البيت الأبيض أو في الإدارة الأميركية بل هو بعض تفاصيل الصراع العربي – الإسرائيلي وبعض نتائجه بكل حال، وإن التعاطي معه يتم عبر الزاويتين – القطبين: السورية والإسرائيلية.
باختصار: لا سياسة أميركية خاصة ومحددة تجاه لبنان، إذ لا مسألة لبنانية قائمة بذاتها في واشنطن، ثم إن لبنان ليس مسألة واحدة بالعين الأميركية.
هذه أبرز النقاط التي يمكن استخلاصها من أحاديث ومحاورات مع مسؤولين وخبراء ودارسين كما من قراءات ومتابعات للمناقشات الأميركية حول المعضلة اللبنانية التي تختصر في تعقيداتها الشائكة مسائل الصراع الدولي جميعاً في المنطقة، إضافة إلى المعطيات الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي.
هناك نشاط لبناني في واشنطن والويات المتحدة عماده في الأساس تيار الكتائب – “القوات اللبنانية” المتداخلة خطوطه مع السياسة الرسمية للبنان لأسباب واضحة أهمها إن الذين يمثلون الدولة الآن كانوا حملة أعلام بشير الجميل و”القوات” ثم انقلبوا إلى تأييد الرئيس أمين الجميل بعد غياب بشير، وهؤلاء، وفي الطليعة منهم السفير عبد الله بو حبيب لا يعرفون لبنان بصورته الكلية، ومهما كانت نواياهم طيبة فإن علاقاتهم التاريخية تشكل مشكلة تحكم تصرفاتهم ومنطقهم في طرق المسائل وفهمها وكذلك فإن هذه العلاقات الأحادية الجانب تجعلهم يتذبذبون باستمرار بين الحرج لقلة المعرفة، وبين الخطأ في التقييم لسيادة اللون الواحد للتفكير والممارسة.
وبالتأكيد فإن مثل هذا النشاط اللبناني يزيد في بلبلة الإدارة الأميركية وإرباكها ويساعد على زيادة توغلها في ثنايا التفاصيل اللبنانية بحيث تضيع تماماً وتهرب مباشرة إما إلى تل أبيب وإما إلى دمشق، ودائماً عبر الرياض التي تومئ ولا تقول فلا تنفع حائراً يبحث عن قرار.
المهم إن لا سياسة أميركية خاصة ومحددة تجاه لبنان، التبسيطيون يقولون إن الأميركيين البرغماتيين بطبعهم وطبيعتهم يتعاطون مع الوقائع كما هي على الأرض وليس مع النوايا أو الأفكار. ولهذا فهم لا يتورعون مثلاً عن الانتقال دفعة واحدة من بشير الجميل إلى وليد جنبلاط، كما لا يتورعون عن التحول ومرة واحدة من تجاهل سوريا تجاهلاً مطلقاً، والافتراض إنهم يستطيعون فرض الحل الذي ارتأوه عليها مستخدمين الضغط العسكري الإسرائيلي والإغراء الذهبي السعودي، إلى الاعتراف بسوريا طرفاً أساسياً، بل الطرف الأساسي الذي لا بد من موافقته ليكون الحل حلاًز
وهكذا تصبح دمشق “المنبوذة” محطة للمسؤولين الأميركيين جميعاً من شولتس إلى ماكفرلين فإلى رمسفيلد ، بل ويصبح النجاح فيها منطلقاً للنجاح في واشنطن ذاتها… والبعض فيها يقول إن ماكفرلين صار ما صار لكونه أوقف الانهيار الذي تسبب فيه شولتس ومع سوريا أساساً بالنسبة لمشروع الحل الشامل أو ما كان يسمى سابقاً “مبادرة ريغان”.
أما الأكثر إطلاعاً ومعرفة فيقولون إن الحسابات الإسرائيلية الخاصة هي التي ضيعت واشنطن وأفقدتها السيطرة على زمام الأمور، فحين أكمل بيغن توغله تجاه بيروت، وحاصرها بدباباته ثم اقتحمها في صيف العام الماضي أحدث خللاً هائلاً في الخطط الأميركية للمنطقة، ومن ثم في مواقع ومواقف الأطراف جميعاً بحيث صار لا بد من تعديل كل شيء، ولا بد من إجبار الإسرائيلي على التراجع، ولم يكن ذلك ممكناً إلا تحت ضغط التطور النوعي، في العلاقات السورية السوفياتية في أعقاب الحرب.
وصحيح إن فيليب حبيب هو الذي دفع الثمن بداية استرضاء لسوريا التي اعتبرت إن واشنطن خدعتها للمرة الثالثة (الأولى في أعقاب حرب 73، والثانية في أعقاب الدخول السوري إلى لبنان في العام 1976، كما يقولون في واشنطن).
لكن الصحيح أيضاً إن بيغن ومعه جنراله شارون وسائر العاملين على تنفيذ المشروع الإمبراطوري الإسرائيلي بالاستناد على الأميركيين ولكن مع التميز وإلى حد كبير مع الاستقلال عنهم، هم الذين دفعوا الثمن في النهاية، ودفعوه بطريقة مدوية تجعل أي خليفة يفكر ألف مرة قبل الخروج على الخطة الأميركية المعتمدة والمقرر فيها الدور الإسرائيلي بدقة بما لا يفقد الأميركيين أصدقاءهم بل وحلفاءهم بين العرب.
بعد الحرب وفي ضوء نتائجها حاول فيليب حبيب التصرف لكنه لم يحصد في النتيجة إلا الخيبة، وإذا كان البعض يرى إن الضربة القاضية جاءته من دمشق، فإن لفيليب حبيب – كما تقول أوساطه – رأياً آخر مفاده إنه تلقى ضربتين في أن الأولى من دمشق وأسبابها مفهومة، الثانية من بيروت ومن الحكم فيها تحديداً وهو أمر لم يفهمه تماماً حتى هذه الساعة.
ويقول فيليب حبيب إنه كان أعد مشروعاً لإجلاء الإسرائيليين أفضل بما لا يقاس من اتفاق 17 أيار المشؤوم لكنه فوجئ بالحكم اللبناني الذي قفز من فوقه مرة أولى والتف عليه عبر “وثيقة شارون” يقفز من فوقه ويلتف عليه مرة ثانية ويقبل من شولتس ما كان يجاهر في رفضه حتى اللحظة الأخيرة فأسقط في يده وانطوى على نفسه وهو يردد بأسى: لقد ضيع اللبنانيون أنفسهم ولم يكسبوا بالنتيجة ما يتوقعونه من دعم أميركي يعوضهم خسارتهم ويستجلب لهم ما ينقصهم من الرضى العربي.
ويقر فيليب حبيب إنه سقط ضحية الصراع في قلب الإدارة الأميركية، لكنه لا يفهم كيف يصر اللبنانيون على إدخال وطنهم الممزق إلى دوامة هذا الصراع بالتصرف وكأنهم فريق فيه، يهمهم مصير شولتس، وبالتجديد لريغان، أكثر مما يهمهم مصير بلادهم وشعبها.
ومع إقرار الجميع تقريباً في الإدارة الاميركية بأن اتفاق 17 أيار مجحف بحق لبنان ومسيء إلى علاقاته العربية فإنهم يجادلون في مسؤوليتهم المطلقة عنه، ويعتبرون إن الحكم في لبنان هو الذي أخطأ حين تسرع فقبله مستهيناً بنتائج هذا القبول إن على صعيد التوازن الداخلي الهش أو على صعيد العلاقات مع العرب عموماً ومع سوريا خاصة، وهي ضرورية جداً لبقاء لبنان ثم لاستقراره.
ويصل بعض الخبراء الأميركيين في نقدهم للسياسة اللبنانية الرسمية إلى مدى أبعد حين يقولون: لقد تركت لنا دولتكم أن نرسم لها سياستها وافترضت إن لدينا وصفات جاهزة وحلولاً سحرية ثم فوجئت حين رأتنا – نحن الدولة العظمى – نحترم معطيات السياسة الدولية، بل وكذلك معطيات السياسات الإقليمية، ومواقع التأثير فيها. إن لنا بالكاد سياسة شرق أوسطية، لكن ليس لنا بالتأكيد سياسة لبنانية. إن لبنان صغير بما فيه الكفاية، لتصغير أية قوة تغرق في مستنقع سياساته وطوائفه وأحزابه التي تكاد تلخص كل القوى الموجودة في العالم، وهذا ما أصابنا فعلاً فيه. لقد صبرنا وتضاءلنا من قوة عظمى إلى نوع من الميليشيا لا نعرف على نبقى وكيف أو نخرج ومتى وفي ظل أي شروط، وتحولنا إلى عبء على أصدقائنا في بيروت (وفي المنطقة). نريد منهم المساعدة على إيجاد حل مناسب لنا. بدل أن نساعدهم على إيجاد الحل المناسب لهم.
ويقول آخرون بكثير من الصراحة: لا نعرف شيئاً اسمه المسألة اللبنانية. المسألة الداخلية في لبنان أمرها هين، ونحن متفقون مع الحكم (وذلك كان واضحاً في مؤتمر جنيف) على ضرورة القيام بعملية إصلاح جذري للنظام السياسي في محاولة لتوسيع قاعدة المنتفعين من هذا النظام وإنقاص أعداد المعارضين لاسيما الراديكاليين العاملين ضده. بمنطق لا يمكن للعقل الغربي والديموقراطية الغربية إلا أن تقبله.
“أما الوجه الأبرز والأكثر حدة للمسألة اللبنانية، كما هي معروفة لنا وللعالم، فليس إلا أحد وجوه المسألة الأصلية التي نسميها نحن أزمة الشرق الأوسط، وتسمونها أنتم الصراع العربي الإسرائيلي ولا حل لدينا في المدى القصير لهذه المسألة الشديدة التعقيد والمتراكمة أثقالها وتشابكاتها عبر السنين.
“ولقد حاولنا إقناع أصدقائنا اللبنانيين بتقديم الحل الداخلي على الحسم في موضوع الاتفاق اللبناني الإسرائيلي، لكنهم ردوا علينا ، مباشرة كما عبر دمشق، إن موضوع الاتفاق يهدد بنسف احتمالات الوفاق الوطني. فماذا يراد منا؟! لقد طلب إلينا أن توسط في إطار طرفين صديقين يتعذر الحوار بينهما مباشرة إلى مشروع اتفاق ففعلنا، والآن يرى أحد الطرفين إنه مغبون في هذا الاتفاق… حسناً نحن لا نستطيع أن نلحس توقيعنا بهذه البساطة، ثم إننا لا نملك عصا سحرية لإقنانع الإسرائيليين، كما تتوهمون، على هذا سنخرج من الأمر كله، وليتفاهم الإسرائيليون واللبنانيون مباشرة ومن غير وسيط، وسنقبل ونبارك أي اتفاق يصلون”.
وحين يلمس بعض الحاضرين في هذا المنصب تهديداً واضحاً للطرف اللبناني لا ينكر محدثهم وهو موظف مخول بالتصريح في وزارة الخارجية الأميركية إن كلامه قد يفسر كذلك بل إنه يضيف: في أي حال لعلكم تستطيعون الوصول إلى ما هو أفضل، ولقد جربتم في الماضي (إشارة ثانية إلى وثيقة شارون) ثم إننا لا نضمن أن تتقدم إسرائيل بمطالب جديدة لا نعرف مدى قدرتكم على التسليم بها.
أهي حرب أعصاب عشية زيارة الرئيس أمين الجميل، أم تراه موقفاً أميركياً نهائياً؟!
المرجح إنها حرب أعصاب لتحديد حجم “التعديل لاتفاق 17 أيار”.
فبين المسؤولين الأميركيين كثرة تعترف بأن هذا الاتفاق غير قابل للحياة، لكنهم يقدمون “التجميد بديلاً عن الإلغاء” ويجادلون في حدود التعديل متى سلموا بضرورته… وفي نهاية المطاف يذكرونك بإسرائيل وشروطها وإن الاتفاق هو ثمن الانسحاب، فإذا ما فرض عليها أن تتخلى عنه فإنها سترد بإدامة احتلالها للجنوب على الأقل، وإنه بالتالي لا بد من ثمن ما، أي من اتفاق لإخراجهم.
-ولكن الاتفاق لم يخرجها من لبنان؟
*على الأقل بيدنا الآن تعهد إسرائيلي بالخروج
-ومتى كانت التعهدات الإسرائيلية ضماناً لتحرير ما تحتل من الأرض؟! ثم إن لاسؤال يتصل بموقفكم أنتم، فأين أنتم من هذا كله؟
وتدور الأسطوانة التي تنتظر:
*لا تنسوا إنها سنة انتخابية، وفي مثل هذا الظرف تكون الإدارة الأميركية في أضعف حالاتها تجاه الإسرائيليين الذين يملكون قوة تأثير هائلة على أصوات الناخبين الأميركيين. لذا فنحن نطلب من أصدقائنا العرب مساعدتنا بعدم التشدد في مطالبهم، حتى إذا ما انتهت الانتخابات أمكننا التحرر من تأثيرات الضغط الصهيوني والعمل معاً للوصول إلى الحل العادل والمقبول.
– لكن واقعاً محدداً يكون قد فرض نفسه على الارض خلال هذه الفترة، وسنجبر من ثم على التعاطي مع النتائج وليس مع أساس المسألة ثم إن هذه حجة دائمة لابتزاز العرب. وهل علينا دائماً أن ندفع من أوطاننا ومن طموحنا إلى مستقبل أفضل ثمن فوز هذا الرئيس الأميركي أو ذاك، ممن يتلخص الفارق بينهما أو أيهما أكثر صداقة لإسرائيل؟
ويجيئك الجواب غريباً:
*أنتم لا تعرفون كيف تحمون أصدقاءكم. لقد جاء شولتس كصديق للعرب، وجاء خلفاً لصديق كبير هو ألكسندر هيغ. فانظروا الآن كيف تحول شولتس إلى صديق للإسرائيليين وعلى حسابكم. إنكم حين تطالبون بإلغاء الاتقفاق، كأنما تطالبون بإقالة شولتس وهذا ما جعله ينحاز إلى نفسه ضدكم. ثم إنكم تكادون تخسرون الآن صديقكم الآخير في إدارة ريغان، كاسبار وينبرغر. إن الحملة لاصهيونية تتركز عليه وانتم لا تساعدونه كثيراً. وعلى سبيل المثال يمكن الاستشهاد بما ألحقته جريدة مثل “السفير” من ضرر بهذا “الارابست” الكبير، أي المناصر للعرب، لقد نشرت “السفير” ما أسمته محضر لقاء سلطان وينبرغر في باريس، قبل شهور، وبالتحديد في تموز الماضي، وها هم الصهاينة – بشخص عمدة نيويورك اليهودي كوخ – يشنون حملة تشهير على وزير الدفاع مستخدمين ما جاء في ذلك المحضر الذي نشهد إنه مصنوع بعناية وإن كنا لا نعتبره حقيقياً.
ولا تأخذك عقدة ذنب لأنك تعرف تماماً إن حقيقة الأمر غير ذلك ولأن وينبرغر لن يلبث أن يخرج للناس بتصريحات لم تعهد منه، نتيجة لحملة ابتزاز إسرائيلية مركزة تصوره نصيراً للعرب، لتدفعه إلى تبني أقصى سياساتها تطرفاً، عشية وصول شامير إلى واشنطن، لكي تضمن الحكومة الإسرائيلية عدم ارتفاع أي صوت أميركي بالاعتراض على التطابق المطلق في الأهداف والسياسات بين واشنطن وتل أبيب.
والجو في واشنطن إسرائيلي الهوى واللغة، على أي حال… فريغان السعيد بانتصاره السهل في غرينادا، يفكر بمزيد من الانتصارات العسكرية المفيدة انتخابياً بغض النظر عن نتاىئجها البعيدة، سواء على بلاده ذاتها أم على حلفائه الغربيين، ومؤكد إن هذا الجو الأميركي “الحربجي” هو الذي أغرى فرنسا بالاندفاع في طريق المغامرة العسكرية حيث بعثت بطائراتها لتقصف بعلبك وجوارها.
صحيح إن باريس كانت أبلغت من يعنيهم الأمر، إنها ستقوم بغارة سياسية، وهذا يفسر إن الغارة كانت صوتية ومعنوية ومن دون خسائر تذكر، لكن العارفين في واشنطن يقولون إن فرنسا لجأت إلى مثل هذا العمل المغامر منعاً لمغامرة أكثر حمقاً كانت إدارة ريغان على وشك ارتكابها من دون حساب دقيق لنتائجها الإقليمية والدولية.
ويذكر في هذا المجال إن جاك أتالي مستشار الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران قام برحلات مكوكية سريعة بين واشنطن وباريس للتنسيق بحيث يكتفي الأميركيون بما سيفعله الفرنسيون.
وجاك أتالي هو المكلف عموماً بالتنسيق بين أجهزة المخابرات الفرنسية والأجهزة المماثلة الأميركية بما في ذلك مجلس الأمن القومي.
على إن “الهدف” كان نقطة اللقاء الأساسية بين واشنطن وباريس، فكلاهما كان يريد ضرب “الخطر الشيعي”.
من هنا القول إن لبنان ليس مسألة واحدة في العين الأميركية بل هو قد غدا الآن طوائف وأمراء طوائف، وعشائر ومشايخ عشائر، وجهات ومناطق ووجهاء وأعياناً، ومخاتير ونواطير، إضافة إلى الجيش والجندرمة ومختلف أنواع الميليشيات المسلحة.
لكن ذلك حديث آخر فإلى الغد.

Exit mobile version