طلال سلمان

على الطريق الرئيس.. وعذره!

أمضى الياس سركيس سنوات طويلة من عمره قريباً من رئاسة الجمهورية وليس فيها.
كان لفترة “مساعد رئيس جمهورية” ولفترة أخرى “وكيل رئيس جمهورية”، أو “الوصي على رئيس الجمهورية” كما كان يتهمه خصوم النهج الشهابي، كذلك أمضى فترة ثالثة في موقع “رئيس الظل” لجمهورية يحكمها سليمان فرنجية وحلفاؤه.
وحتى بعدما انتخب الياس سركيس للرئاسة، قبل خمسمائة يوم، وبعدما تولى – رسمياً – مهامه الدستورية، فلقد أريد له أن يبقى “مشروع رئيس جمهورية” أكثر منه رئيساً فعلياً يمارس سلطاته ويلي الأحكام ويكون مصدراً للشرعية وليس مجرد “عاكس” لها باعتبار غيره هو مصدر الشرعية والسلطات والأحكام وصاحب الكلمة الفصل في مصير البلاد والعباد.
وبصبر نادر المثال تحمل الياس سركيس هذا الوضع مفترضاً أن تضحياته هذه سترتد بالخير على هدفه الكبير: وحدة الوطن أرضاً وشعباً.
وحين تحدث أمس، وبلهجة تنضح بالمرارة، عن الأثقال والأعباء والأوجاع التي تقض المضاجع، لم يكن يشكو افتقاده مباهج المنصب في السنة الرئاسة الأولى بقدرما كان يشكو افتقاده الوطن والدولة ومن ثم حقوق المنصب والرئاسة ذاتها.
وما لم يقله الياس سركيس في رسالته ليل أمس، صراحة، قاله بالإيماءة والإشارة والتلميح الذكي والممض… فكأنه أراد أن يقول: “من أجل استعادة وحدة لبنان وسيادته أرضى بهذا الواقع غير المقبول وأتحمله.
“من أجل سلامة الجنوب، توكيداً لسلامة التراب الوطني، قبلت وأقبل بهذه السلسلة التي لا تنتهي من الاتصالات بحثاً عن ضمانات مجدية وجدية.
“من أجل طمأنة الخائفين والمستنفرة مشاعرهم الطائفية سكت واسكت عن كثير مما جرى ويجري من أمور لا يصح ولا يجوز السكوت عليها في الأحوال العادية”.
على أن ما لم يقله الياس سركيس مباشرة تقوله بأفصح لسان الظروف الموضوعية السائدة في لبنان كانعكاس لما هو قائم في المنطقة العربية من حوله.
فمن يطالب حاكم البلد الأصغر والأضعف بأن يكون الأكثر تصلباً والأقوى شكيمة والأكثر استعداداً لمواجهة “الأعداء” كبارهم والصغار؟!
إن ما لم يقله الياس سركيس هو ما لا يقوله الرئيس أنور السادات، مثلاًن ولا الملك خالد، ولا سائر الملوك والرؤساء العرب،
فالنقص، هنا، مثله هنان، نقص “عربي”، والعجز أيضاً “عربي”، والعذر بالتالي “عربي” مائة في المائة.
لقد أراد “العرب” هذا الرئيس وبهذه المواصفات لهذا “اللبنان” المحدد السمات بنتائج حرب السنتين السياسية والعسكرية والاقتصادية.
هذه أبرز حقيقة في رسالة الياس سركيس، كما في مسلكه على امتداد السنة المنصرمة من عهده…
وهذه الحقيقة مرشحة لأن تتكرس واقعاً دائماً في لبنان، ما لم تبرز إرادة عربية مغايرة.

Exit mobile version