طلال سلمان

على الطريق الديموقراطية الأميركية إسرائيلياً وعربياً!

يخطئ من يظن من العرب أن إسحق رابين يخوض معركة الرئيس الأميركي جورج بوش، سداداً لدينه عليه في مساندته في الانتخابات الإسرائيلية،
فرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي خلف “المتطرف” شامير هو، إذا ما صحت الروايات، رجل أميركا في النظام الإسرائيلي، ولكنه ليس رجل جورج بوش. بالمقابل فهو ليس رجل منافسه كلينتون. إنه رجل المؤسسة الأميركية في المؤسسة الإسرائيلية، وليس من جماعة “بالروح، بالدم نفديك يا ريس…”.
ومعلنة هي التمنيات الإسرائيلية في نجاح كلينتون، لكن ذلك لا يعني أبداً إن تل أبيب تناهض بوش أو تستخصمه فتستعديه.
إن الإسرائيلي يدرك جيداً أنه قد استنفد بوش الذي أعطاه أقصى ما يمكن أن يعطيه: قوة التفوق على العرب مجتمعين، كل ما طلب من مال على شكل مساعدات وقروض وهبات، آخرها الضمانات الائتمانية للعشرة مليارات دولار.
وبالتالي فمصلحته مع مجيء كلينتون، ليس فقط لأن الديموقراطيين من الرؤساء الأميركيين أقرب إلى الصهيونية وإسرائيل من الجمهوريين، ولكن أساساً لأن الإسرائيلي يأخذ – دائماً – من الرئيس الجديد، أي رئيس جديد، أكثر مما يمكنه أن يأخذ من الرئيس في ولايته الثانية.
لهذا يتصرف بعض العرب وكأن رابين قد خذل صديقهم بوش، ومن ثم خذلهم هم، فلم يعط في المفاوضات المباشرة ما توقعوا أن يعطيهم!
ولعل البعض منهم يعض أصابعه ندماً الآن، لأنه أعطى في المفاوضات – ومسبقاً – ما كان يجب أن يحتفظ به من أوراق، ليمكنه المساومة عليه، في الوقت المناسب مع التنبه دائماً إلى أنه يساوم يهودياً.
وها هي قذائف رابين تنهال على لبنان، في جنوبه وبقاعه وشماله، مطراً، تحرق وتدمر وتقتل، ثم يرفقها بالتهديد بإعادة النظر في المفاوضات، غير ملتفت إلى موقف بوش أو كلينتون… ربما لأنه واثق إنهما “سيتفهمان” موقفه وسيدعوان إلى ضبط النفس، بعد الاستنكار الشديد لإقدام مقاومين لبنانيين على إزعاج المحتل الإسرائيلي في أرضهم اللبنانية.
… وصلت المذلة بالعرب إلى المراهنة على عدوهم،
لقد نسوا إنهم هو موضوع الرهان،
وكيف يمكن أن يرحمك عدوك، خصوصاً إذا ما ألغيت نفسك؟!
بالمقابل فإن الموقف، أو المواقف العربية، من الانتخابات الأميركية ومرشحيها تصلح فعلاً مادة للتندر!
فلو إن “الديموقراطية الأميركية” تشتري بالمال إذاً لاشتراها بعض الحكام العرب، ولو كلفت نصف ثرواتهم،
ولو كان بالإمكان اغتيالها لاستأجروا القتلة المحترفين وبعثوهم في طلبها فلا يعودون إلا وقد جاءوا برأسها، لتكون عبرة لمن يعتبر،
ولو إنها تحرق أو تغرق أو تشيخ فتموت لانتظروا صابرين أن يحين الحين فيقضي الله أمراً كان مفعولاً،
لكن تلك الديموقراطية اللعينة أقوى من عاديات الزمان، وها هو القلق يتأكلهم ويطيل ليل سهادهم ويشتت أفكارهم ويستنزف أعصابهم لشدة انشغالهم على مصير صديقهم الكبير جورج بوش وهل ينجح في “قنص” ولاية أخرى أم لا.
لو إنه مثلهم لاختلف الأمر، ولما اضطروا إلى متابعة ذلك الميزان الرجراج لاستطلاعات الرأي العام التي ترفع من تشاء وتذل من تشاء بغير أن تراعي مشاعر أولئك الساهرين في انتظار النتائج على أحر من الجمر!
لكنها بدعة الديموقراطية اللعينة، والبدعة ضلالة والضلالة في النار، وهل ثمة نار آكلة أكثر من تلك التي تأخذ بنفوسهم فتفسد عليهم استمتاعهم بالحياة وهناءة البال في ظل الاطمئنان إلى وداعة الرعية واستكانتها وتسليمها الأمر لأولي الأمر… والحمد لله على نعمه!
ما أطيب رعيتهم وما أعمق إيمانها!! إنها راضية مرضية، تدعو لهم بطول العمر، إناء الليل وأطراف النهار، فإذا ما برز بينها “متطرف” أو “هدام” يدعو إلى “المشاركة” وإقامة “مجلس شورى” أو ما شابه من مؤسسات الضلال والخروج على الحق الإلهي هبت “الرعية” تقالته وتتبرأ منه مناشدة سادتها أن يستأصلوا الفتنة فوراً وبلا رحمة… فالفتنة (وهي هنا الديموقراطية ، أو المشاركة) أشد من القتل!
ولأنهم أهل نخوة، فقد هبوا لنجدة جورج بوش: فتحوا له البلاد يزرعها قواعد، وأعطوه مفاتيح النفط، وفوضوه التصرف بأرصدتهم وودائعهم التي في الخارج (أو ما تبقى منها)! اشتروا طائرات لن يستخدموها ، وبمليارات الدولارات، وأعلنوا عن مشاريع بمليارات أخرى لم تكن واردة في خططهم ولا تفرضها احتياجات رعيتهم.
رهنوا اليوم والغد لأمره،
تنكروا لأبسط التزاماتهم القومية، وخرجوا على إجماع أمتهم، واندفعوا يستبقون الصلح مع إسرائيل بإسقاط المقاطعة عن المتعاملين معها،
لكن الديموقراطية الأميركية اللعينة لم تكتف، وما تزال تطلب المزيد!
دفعوا تكاليف المعركة الانتخابية، لعل الديموقراطية تقدر تضحياتهم وتعوضهم انتصاراً للبطل الذي لم ينتصر إلا عليهم، وبدمائهم وأموالهم،
لكنهم عجزوا عن شراء الاطمئنان، مع إن كل نقطة في ميزان الاستطلاعات إياه قد كلفتهم ثروات طائلة،
وطريفة هي المفارقة: أن يكون رموز التخلف والنظم الإقطاعية والحكومات المطلقة هم أكثر القلقين على الديموقراطية الأميركيةن وهم أكثر المستفيدين من نعمها لأنها ضمانة استمرارهم.
بعد ذلك نستغرب أن يكون العرب خارج معركة الرئاسة الأميركية؟!
… وإن “يتقول” عليهم البعض فيجعلهم خارج التاريخ؟!

Exit mobile version