طلال سلمان

على الطريق الدولة وحبة القمح!

لا ندري ولا نعرف ولا نفهم متى بالضبط يكون لنا، نحن اللبنانيين منذ أكثر من عشر سنوات والذين – برغم ذلك – لا نرى رأي الكتائب ولا نقول قولها، علاقة بما يجري في لبنان!
فلا نحن، وفق المنطق السائد والمروج له عربياً ودولياً، معنيون بالقتال، ولا نحن أصحاب رأي في الحال، أياً كان هذا الحل المجهول نسبه وموعد ميلاده المجيد!
فالمشكلة في لبنان، حسب المنطق السائد، بدأت بين لبنانيين آخرين (ليسوا منا ولسنا منهم!!) والفلسطينيين، ثم تطورت فصارت بين هؤلاء اللبنانيين الآخرين والدولة اللبنانية، ثم انقلبت إلى “حرب إبادة” تشنها قوات الردع العربية (والجيش السوري بالتحديد) على هؤلاء اللبنانيين الآخرين… ويعلم الله وحده أي منقلب ستنقلب المسألة اللبنانية في مقبل الأيام، ومن سيكون الطرف الثاني في الحرب مع أو ضد اللبنانيين الآخرين!
صحيح إن الدولة لم تسقطنا كلية من حسابها، وإنها تشركنا ببعض اللقاءات وتظهر من أحبت منا في بعض الصور التذكارية لكنها لا ترى لنا مشكلة (لا معها ولا مع الغير) تستأهل أن تسمع منا حولها، ولا هي تجد لزاماً عليها أن تسمعنا غير البيانات والبلاغات والمعلومات الرسمية عن جلسات مجلس الوزراء.
حتى حين تكون الدولة في مشكلة مع أولئك اللبنانيين الآخرين لا ترى ضرورة لإشراكنا لا في البحث والنقاش، ولا في تحديد أسس الحل، فلماذا تتعبنا وتنهك أعصابنا في ما لا يعنينا؟
ومنطق الدولة بسيط: إذا كانت المشكلة بيني وبين الشيخ بيار الجميل، أو بين الشيخ بيار وياسر عرفات، أو بين الشيخ بيار وسوريا، فما دخل سليمان فرنجية وريمون اده ووليد جنبلاط ومحسن إبراهيم وإنعام رعد وإبراهيم قليلات وألبير منصور وعاصم قانصوه وأسامة فاخوري وعبد الرحيم مراد و… الثلاثة ملايين لبناني؟!
وهكذا، وببساطة متناهية، ساهمت الدولة مساهمة جبارة في جعل مسألة لبنان تتلخص ليس في جهة سياسية واحدة، وليس حتى في حزب واحد، بل في رجل واحد أحد كان في البداية بيار الجميل ثم صار بشير الجميل وإذا طال الأمد فقد يكون الحفيد الأول في هذه الذرية الصالحة!
وربما لهذا تحولت الدولة على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة إلى علبة بريد: من أراد الكتابة أو الاتصال بآل الجميل قصدها فنقلت رغبته وعادت إليه بالجواب كما التلميذ – الشاطر.
وبرغم أن العالم كله، بعربه والفرنجة، بسوفياته والأميركيين الأصدقاء، قد أبلغ الدولة مراراً وتكراراً أنه معها وليس مع غيرها في لبنان، وإنه مع تثبيت سلطتها المركزية في البر والبحر والجو، في الجنوب والشمال والبقاع والجبل الأشم، فلقد ظلت الدولة تنتظر أن يقتنع الشيخ بشير – من تلقاء نفسه – بأنها ليست حبة قمح، والشيخ لا يجد منها غير القمح: في المرفأ كما في الدوائر العقارية في الجمارك وإيراداتها كما في المرافق والمصالح والمؤسسات الحكومية!
… وها هو الآن الجنرال فاتح الأطلسي ألكسندر هيغ يعود فيعيد على مسامع الدولة النشيد ذاته، بالإنكليزية، بينما فاليري جيسكار ديستان يردده – مباشرة وعبر موفده – باللغة المحببة، الفرنسية، والملك خالد والأمير فهد ومعهما الأمير عبد الله آل سعود يطلقونه بالعربية فتردده معهم الكويت وسائر الإمارات والمشيخات وباللهجات جميعاً بما فيها الحميرية!
ونفهم أن تتشكك الدولة في كلامنا، نحن غير المعنيين، حين نبلغها تمسكنا بها ورغبتنا في أن تكون، وفي أن تكون قوية، وقوية علينا كما على “الآخرين” ولكننا لا نفهم أن تتشكك في كلام الجنرالات والملوك والأمراء والرؤساء الكبار “كمثل ديستان الذي اكتشف الآن أن لبنان قطر شقيق بالكثلكة والفرنسية).
وربما لأننا لا نفهم ما يجري نعود فنسأل الدولة للمرة المليون: ماذا تنتظرين بعد لكي تكوني؟!
مع التذكير أن أول ا لشروط لكي تكون الدولة دولة هو أن نعترف أن الكتائب في أحسن الحالات حزب لبناني، بين جملة أحزاب، قد يكون الأكثر عدداً والأحسن تدريباً وتجهيزاً والأقوى سلاحاً، لكنه ليس “حزب لبنان” وليس بالتأكيد “مسيحيي لبنان”، ومن باب أولى ليس كل لبنان… إضافة إلى أنه ليس “هي”!!
… وإن الدولة وحدها هي كل لبنان: هي المسيحيون والمسلمون، هي العرب والغرب والشرق، هي “العالم”، فمن أراد الاتصال اتصل بها، ومن أراد القطيعة قاطعها هي، في الدولة – وليس إلا فيها – يجد الفلسطيني حدوده الضائعة، ومع الدولة – وليس إلا معها – يقيم السوري علاقاته المميزة.
وفي الدولة تحل مشكلتنا “نحن”، فبقدر ما تعترف بنا تقوى وتتأكد سلطتها ويمكنها من ثم أن ترى بشير الجميل بالحجم الطبيعي”.
ولعل مأساة زحلة تفيد الدولة في أكثر ما تحتاجه الدولة: أن تتذكر أن بيدها وحدها الحل بقدر ما تكون هي الدولة، دولة لبنان كله واللبنانيين جميعاً… بمن فيهم اللبنانيون الآخرون.

Exit mobile version