طلال سلمان

على الطريق الحوار المفقود في الدولة المشاع!

لا حوار في بلد الحوار.
بعد دوي الحرب جاء زمن الصمت، فإذا ما أراد أي “لبناني” كسر الصمت فإنه لا يحاور، ولا يتجه إلى “الآخر”، وإنما يجأر بالشكوى والتذمر والتأفف.
ولأنه لا يتوجه إلى أحد، لا إلى “الدولة” ولا إلى “المجتمع”، فإن “خطابه” يأخذ حكماً شكل “المونولوغ” أو العزف المنفرد.
الدولة كثيرة الكلام… تحكي على مدار الساعة: لا ينتهي رئيس من خطاب حتى يبدأ خطاب للرئيس الثاني يقاطعه ويقطعه خطاب للرئيس الثالث.
وبين الخطاب والخطاب تصريحات متلفزة ، وتصريحات إذاعية، وتصريحات مكتوبة، تقترح حلولاً لمشكلات العالم جميعاً، وتوجه نصائح ومواعظ وإرشادات للمواطنين تحضهم فيها على الوحدة الوطنية والنزاهة والفضيلة والمقاومة والصمود، ثم ينصرف “الخطباء الكبار” إلى متابعة الاهتمام بشؤونهم الخاصة التي تشكو شيئاً من التنافر مع توجيهات الخطاب الرسمي.
لعل العيب في ذلك الاطمئنان المبالغ فيه عند “الخطباء” على أنهم باقون وثابتون وشبه دائمين بغض النظر عن الإنجاز.
ليس ذلك إعلاناً رسمياً عن الاستقرار.
هم “المستقرون”، أما البلاد فما زال استقرارها في مستوى الأحلام، وأما الناس فيتقلبون فوق مواجعهم ولا سبيل إلى العلاج ولو بالهجرة…
الناس يسمعون أو يقرأون عن مشروعات بمئات الملايين من الدولارات، مترافقة بالضرورة مع أحاديث “موثقة” عن صفقات وسمسرات وعمولات وشفاعات واستثناءات ومحسوبيات،
ومع الاستعداد اللبناني الدائم لإجراء المحاسبة والتساهل مع المخالف، فإن كل ذلك الضجيج عن النهوض الاقتصادي وإعادة البناء وتجديد البنية التحتية و… لم يخلق فرص عمل لعشرات الألوف من الشباب العاطل عن العمل.
لكل سؤال عن أسباب التعثر أو التأخير في تنفيذ المشرعات التي باسمها عقدت القروض، وزيدت الضرائب والرسوم، المباشرة وغير المباشرة، جواب يتوغل داخل الصفقات التي تعذر تمريرها، أو أمكن تمريرها ثم اختلف “أبطالها” على الحصص، برغم أن “المرجع” واحد ومخول بأن يعطي من يشاء ومتى يشاء بغير حسيب أو رقيب.
لكل مشروع “أبطاله” المقررون، وهم يتوحدون في خاتمة المطاف في واحد لا قبله ولا بعده أحد.
للمطار “شركاته” المقررة، والمساومة تكون على النسب ليس إلا.
وللهاتف “شركاته”، ولا يهم أن تكون متنافرة في اختصاصاتها أو في ا لمصالح بحيث يستحيل التوفيق بينها (فنياً) أو بين وكلائها وممثليها وعملائها (مالياً).
وللمرفأ “شركاته”، ومع التسليم بـ “فرنسية” المنفذين فلا بد من انتظار رأي عمدة باريس جاك شيراك لتسمية الرابع في اليانصيب اللبناني.
أما الكهرباء فمشروع استثمار ممتاز، ولذا فلا بد من وضع اليد عليها، و”المخصوص” حاضر… ولمزيد من التمويه يمكن التلطي وراء “توليد مشترك” للبنان وسوريا.
لقصر المؤتمرات “مخصوص”، ووحده صاحب الدولة يقدر أن يهب المخصوص أرض الدولة، إضافة إلى شيء من مالها…
وللقطار بسككه ومحطاته والحديد راكب “مخصوص” واحد لا ثاني له.
فبين الكفاءات اللبنانية المهجنة في “المملكة” من يأكل الحديد ويكهرب الكهرباء ويطير المطار ويغرق المرفأ ويبلط البحر ويخرس الهاتف المحلي لتبرير “المدول” فىتدخل العصر بالسلك وتخاطب بيتك في الشارع الخلفي عبر نيويورك، متباهياً بالحضارة اللبنانية!
كيف يكون الحار في مثل هذه المواضيع الحساسة؟!
وفي حمى الدولارات يصعب أن تنتعش الديموقراطية، ويستحيل أن تعيش الأحزاب وأن تتوحد النقابات.
في حمى الدولارات يكون لدينا ثلاثون وزيراً ولا حكومة ومائة وثمانية وعشرون نائباً ولا “برلمان”، وثلاث رئاسات ولا قيادة، وخمسون محطة تلفزيون ومائتا محطة إذاعة وعشرات الصحف والوكالات ولا إعلام، بل إعلانات مزوقة بالأقلام الصدئة..
لا حوار في بلد الحوار،
لذلك يدوي الانفجار من أقصى لبنان إلى أقصاه ويعم الهلع في ظل المونولوغات الشخصية.
الخبر الوحيد أمني، في بلد الخواء السياسي والركود الاقتصادي.
والأمن إنتاج إسرائيلي، حتى إشعار آخر.
لهذا كله تبدو إسرائيل وكأنها المستفيد الأول من انتفاء الحوار السياسي في بلد الحوار السياسي، سابقاً.
… ويبدو النهابون والنهازون والسماسرة والمهجنون أصحاب الدولة – المشاع، والصمت شرط للربح الحرام من المشاريع الحلال.

Exit mobile version