طلال سلمان

على الطريق الحل المهرّب و”الانتصار” بالانتحار!

الدخان يسد الأفق ويكاد يغطي نور الشمس ويخفي محاولات الاستفراد أو التسلل المنفرد،وهو دخان مرشح لأن يتكاثف ويزداد سواداً مع اقتراب موعد الجولة الحادية عشرة للمفاوضات العربية – الإسرائيلية في واشنطن، تبعاً لتوالي المناورات والمناورات المضادة ومعظمها صادر عن تل أبيب ويستهدف ضرب ما تبقى من وحدة المفاوض العربي وهز الثقة في ما بين أطرافه.
صار صعباً الفرز بين الخبر والشائعة، بين ما هو مدسوس وبين ما هو مروّج قصداً لاستثارة رد فعل يكشف المواقف أو يفضح المخبوء من الاستهدافات أو من وجوه التنسيق (أو التباين) بين الإسرائيلي وبين الأميركي، أو بين الأميركي وهذا الطرف العربي أو ذاك.
وقنابل الدخان تتهاطل من كل حدب وصوب، وتتركز آثارها على الجانب الفلسطيني، إذ يمطر ياسر عرفات الدنيا جميعاً بمسلسل لا ينتهي من مفاجأته، يفقد معه العرب بمن فيهم الفلسطينيون القدرة على التمييز بين ما هو مناورة وبين ما هو عرض جدي،
وبالمقابل يشن الإسرائيلي سلسلة من الهجمات المتوالية الموجهة للأطراف جميعاً، الفلسطيني أساساً ومن بعده السوري ومن دون أن ينسى اللبناني، محاولاً زرع الشقاق بين “رفاق السلاح” وأصحاب المصلحة الواحدة، بإيهام كل منهم أنه إنما يخصه بحل يتجاوز مطالبه شرط أن يتخلى عن “شركائه” في حرب المفاوضات وفي نتائجها المريرة المحتملة.
كل هذا طبيعي ومفهوم،
لكن غير الطبيعي وغير المفهوم أن تتصرف القيادة الفلسطينية وكأن الخيار الوحيد المتبقي أمامها هو الانتحار،
ومع الأخذ بالاعتبار كل المرارات الفلسطينية من الخذلان الذي تلقاه هذه القيادة من بعض القيادات العربية، لاسيما في الجزيرة العربية وبعض الخليج، فليس من حق ياسر عرفات أو غيره أن يتصرف مع الحل وكأنه “تهريبة”، مهما كانت براعته في “التهريب”،
فلا يمكن أن يعيش الحل المهرّب، هذا إذا مر، وهو بالقطع لن يمر،
وقد يكون الإسرائيلي مستعداً للتواطؤ مع أي عربي على سائر العرب، لكنه بالقطع لن يتآمر مع أي عربي على مصالح إسرائيل وأمنها ومطامعها المعلنة.
كذلك فلم يصدر عن الأميركي في أي يوم ما يوحي بأنه مستعد لأن يقبل من أي طرف عربي، ما ترفضه إسرائيل، فكيف في ظل هذه الإدارة التي يطوقها النفوذ الصهيوني حتى تكاد تختنق تحت وطأة حصاره “الودي”؟!
ولعل المهمة الأولى والأخطر أمام وزراء دول الطوق المجتمعين اليوم في بيروت أن يساهموا في إقناع الفلسطيني بفك الطوق عن ذاته، وبأنه لن يصل إلا بهم ومعهم إلى الحد الأدنى من مطالبه التي تواضعت حتى تماهت مع العروض الإسرائيلية واستفزت كبير المعتدلين الملك حسين شخصياً فرآها دون ما ينبغي أن يُطلب فكيف بأن يُقبل.
لا بد من كسر الطوق الذي حصر الفلسطيني نفسه داخله، والذي يتصرف الآن تحت وطأة ضغطه الخانق.
فالانتحار ليس انتصاراً للفلسطيني، كما إنه ليس الأسلوب الأمثل “للانتقام” من التقصير العربي، إضافة إلى أنه مصدر إضافي لكارثة قومية جديدة يكون الفلسطيني أداتها في حين أنه الضحية الدائمة لكل كارثة عربية.

Exit mobile version