طلال سلمان

على الطريق الحلال الأميركي والحرام العربي

يحب الفقراء أن يتداولوا سيرة الأغنياء والارقام الفلكية لثرواتهم،
ومن باب إمتاع الفقراء، وتعميماً للفائدة، نقتبس هنا بعض الوقائع المتصلة بمؤتمر لرجال الأعمال والمسؤولين الرسميين في الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي عقد يومي 20 و21 نيسان الجاري، في واشنطن:
*هدف المؤتمر “بحث وإنشاء وترسيخ مصالح دائمة ومتبادلة”، خصوصاً وإن دول مجلس التعاون تستورد سنوياً ما قيمته 11 ألف مليون دولار،
… وتصدر هذه الدول إلى الأميركان منتجات نفطية بقيمة 12 ألف مليون دولار.
… وتستضيف استثمارات أميركية تبلغ ثلاثة آلاف مليون دولار،
وغني عن البيان أن الاستثمارات المقصودة هنا في تلك الموظفة في مجال الإنتاج النفطي.
*في افتتاح المؤتمر، قال وزير التجارة الأميركي، إن مجمل التجارة الأميركية مع الخليج ارتفع بنسبة 8% في العام الماضي فبلغت قيمته 24 ألف مليون دولار تقريباً!!
أضاف براون: إن المعطيات الجغرافية والاستراتيجية والحضارية (؟) تغري المستثمرين الأجانب وتغري الشركات الأميركية والصناعات الأميركية والمستثمرين الأميركيين بصفة خاصة!
… ونوه براون بتوفر “فرص حقيقية” في صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات وتصنيع الأغذية و… معدات الأمن والسلامة!!
*بالمقابل، أكد نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ماك أن أمن شبه الجزيرة العربية سيبقى في صدر أولويات الولايات المتحدة… طالما يعتمد عالم الدول الصناعية اعتماداً كبيراً على الموارد والمنتجات النفطية في هذه الدول.
*في حين وصف مدير شركة استثمارات الخليج خالد الفايز اقتصاد الخليج بأنه “غير متوازن لأنه ما زال يعتمد على تصدير سلعة واحدة”.
24 ألف مليون دولار مجمل التجارة الأميركية مع الخليج؟!
على ماذا تراها أنفقت تلك المليارات؟!
قال الأمين العام لمجلس الغرف التجارية والصناعية في السعودية، عبد الله الدباغ:
“إن دول الخليج تتسم بميل متزايد إلى الاستهلاك والاستيراد، وبالقوة الشرائية الكبيرة على المستويين العام والشخصي… وإن 70 في المائة من الدخل يوجه إلى الاستهلاك!!
وعدد الدباغ مجموعة عوامل اجتماعية وديموغرافية تسهم في زيادة الاستهلاك منها الزيادة الكبيرة في عدد من تبلغ معدلات أعمارهم 21 سنة، وشدة إقبالهم على وسائل الترف، وظهور الأسرة الصغيرة المستقلة (أب وأم وأطفالهما) بدلاً من الأسر الموسعة.
أضاف الدباغ “أن الطرفين (!) لديهما مصالح مشتركة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستراتيجية”.
وأشار الدباغ إلى “النفوذ المعتد والداعي إلى الاعتدال (!!) الذي تمارسه دول الخليج في العالمين العربي والإسلامي”.
كم هو مكلف ذلك”الأمن”،
ولكم هي غالية تلك “السلامة”!
ولكم هو رخيص ذلك “الاعتدال”!!
24 ألف مليون دولار، وهذا فقط في التجارة والمخفي أعظم!!
وهذه غير تلك العشرات من ألوف ملايين الدولارات “الموظفة” في استثمارات داخل الولايات المتحدة،
لكن ما يستوقف فعلاً هو أن دول الخليج تستنفد رصيد صادراتها النفطية إلى الولايات المتحدة (12 ألف مليون دولار) في مستورداتها من الولايات المتحدة (11 ألف مليون دولار)!!
ومستورداتها : سلاح، وسلاح، وسلاح، ثم سلع استهلاكية ووسائل الترف!!
ورفيق الحريري، بكل ما له من دالة ونفوذ، عاجز عن فتح الباب السعودي المرصود للسماح للفاكهة اللبنانية وسائر المنتجات الزراعية (ثم الصناعية) بدخول جنة المليارات النفطية،
ناهيك بالعجز العام عن إقناع “حفظه الله” بتقديم أية مساعدة ذات قيمة، ولا يمكن وضعها في علبة كرتون تحمل تحياته، إلى هذا البلد الجريح!
أما الاجتماع المقرر، والمؤجل مرات عدة، لوزراء المال في دول إعلان دمشق، فيمكن إرجاؤه مرة أخرى،
وتستطيع القاهرة ودمشق كما بيروت أن تنتظر،
فالمليارات لها أيضاً حامي حمى يرعاها ويرشدها ويوجهها إلى ما ينفع ولي النعمة، أدام الله نعمة حمايته ونعمة وجوده!
يستطيع فقراء العرب أن يمضغوا الأرقام، وأن يتابعوا حركة المليارات وهي تطير من فوق رؤوسهم قاصدة واشنطن، فيتسلوا وينسوا همومهم.
فحديث المليارات ممتع، فكيف بالحديث عن أصحابها.
ومع التنويه بحق “أشقائنا الأغنياء” في أن يتمتعوا بطيبات ما رزقهم العلي القدير، والتعويض عن دهور الشقاء، فإن التذكير “بالأخوة الفقراء” يظل ضرورياً ويمكن إدراجه في خانة “أمن الثروة”،
ولا يمكن أن يظل عشرات الملايين في القاهرة والجزائر وتونس والمغرب والأردن وسوريا وفلسطين المحتلة واليمن السعيد بلا مأوى أو بلا فرصة عمل كريم وبلا خبز غالباً، في حين تذهب المليارات “العربية” إلى وسائل الترف الأميركية لأشقائهم الأغنياء!
ولا أحد يطلب الصدقة أو الحسنات، إنما التوظيف والاستثمار بحثا عن الربح الحلال،
… إلا إذا كان التوظيف في بلاد الفرنجة هو الحلال، والتوظيف لدى الأخوة هو الحرم، كل الحرام!
أترى، هل يبقى الغنى الفاحش ووسائل الترف وأسلحة الدفاع عن الأمن والسلامة، معنى للأخوة؟!
وهل أخوة الفقير للغني حلال أم حرام؟!
أم أن الحلال الأميركي حرام على العربي؟!

Exit mobile version