طلال سلمان

على الطريق الحكم، الحكومة واتفاق الطائف!

إذا كان للمرء أن يتفحص توقعات الناس بما يتعلق بصورة مستقبل دولتهم أو مجتمعهم بعد سنوات فلا بد أن تطالعه رؤى متفاوتة دون أن يتبين تصوراً محدداً مشتركاً، وهذا أمر طبيعي نظراً للظروف السائدة. ذلك لأن الواقع الذي يجب ألا يغرب عن البال هو إن اتفاق الطائف الذي سوف تتمخض عنه صورة المستقبل هو أقرب إلى الإطار منه إلى الخطة التفصيلية، وهذا بصرف النظر عن عدم وضوح معطيات الوضع الراهن ومزيج المشاعر والعواطف المتباينة، ناهيك عن المواقف الملتزمة التي تغرق المجتمع المنكوب، وهي جميعاً من شأنها أن تؤثر على النظرة إلى المستقبل، لذا فإن الطائف يبدو أساساً ملائماً لاستخلاص معالم لصورة مستقبلية أكثر منه أساساً لقراءة صورة دقيقة وجليلة”.
هذا النص المقتطع من محاضرة الرئيس سليم الحص، التي ألقيت نيابة عنه في مركز كارتر في أطلنطا قبل شهر تماماً، لم يكن موجهاً إلى حكومة الثلاثين (التي كانت بعد في ضمير الغيب)، ولكنه يعنيها مباشرة ويصلح لأن يكون توصيفاً لحالتها ولقدرتها المفترضة على الإنجاز.
فهي تجمع تحت عباءتها الفضفاضة أصحاب رؤى متفاوتة لم يصلوا بعد إلى تصور محدد مشترك، كما إنها تعكس عدم وضوح معطيات الوضع الراهن ومزيج المشاعر والعواطف المتباينة، ناهيك عن المواقف الملتزمة التي تفرق المجتمع المنكوب، وهي جميعاً من شأنها أن تؤثر على المستقبل.
ولعل السؤال المشروع في هذه اللحظة هو: أين اتفاق الطائف في حكومة الثلاثين، أو أين موقف هذه الحكومة في اتفاق الطائف.
من حيث الشكل تبدو الحكومة وكأنها ابن شرعي لاتفاق الطائف، فجميع من فيها ممن شاركوا أو ساندوا أو أيدوا وأعلنوا التزامهم بهذا الاتفاق الذي تشكل الحكومة الجديدة أول “تطبيق” عملي لمضمونه المتعدد التفاسير.
ومن حيث الشكل أيضاً لم يصدر عن أي من المشاركين فيها، أو حتى من المعترضين عليها من موقعهم داخلها، ما يفيد بالخروج على اتفاق الطائف أو بالتحفظ عليه، وإن كانت لبعضهم “آراء” في كيفية التطبيق ومواعيده المثالية والظروف المساعدة التي ينبغي توفيرها قبل الشروع في تنفيذه بنصه.
على إن هناك من يرى في هذه الحكومة خروجاً على اتفاق الطائف، ويستدل للتوكيد بالحصة النافرة لرئيس الجمهورية فيها،
وبالمقابل هناك من يهون من الأمر كله فيجعل لهذه الحكومة مهمة وحيدة مرتبطة بأجل محدد، وبالتالي فهو لا يعلق كبير أهمية على مدى انسجامها مع الطائف “نصاً وروحاً”.
أما الأكثر اهتماماً بالسياسة فينظر إلى الحكومة، حجماً ونوعاً وحقائب، في ظل تقديراته للتطورات المحتملة في أزمة الخليج، ويرى إن مهمتها تقتصر على تأمين الوضع في لبنان وتثبيت الأساسيات إذا ما وقع الزلزال في المنطقة وانتثرت تداعياته لتطال ما يتجاوز العراق ونظامه بطل غزو الكويت.
في أي حال فقد كان الرئيس عمر كرامي دقيقاً ومتواضعاً في تحديده لأهداف هذه الحكومة: المصالحة الوطنية، حل الميليشيات وجمع السلاح.
لقد حدد لها مهمة بحث محلية في ظل وضع عربي مهدد بتفجرات قد تصدع خريطة المنطقة برمتها.
أما المهمات التي تحدث عنها الرئيس سليم الحص فهي متروكة – كأشياء أخرى كثيرة وخطيرة – لحكومات أخرى، قد لا تختلف تركيبتها عن حكومة “الرؤى المتفاونة” و”المواقف الملتزمة” هذه ولكن وظيفتها ستكون مختلفة جداً.
ومؤكد إن الرئيس سليم الحص، الغائب عن الطائف، كان صاحب دور مؤثر في أعماله كما في نتائجه، وهو بالتالي أحد أوثق المفسرين لنصوص الاتفاق وأحد أكبر المشبعين بروحيته وأحد أهم المؤهلين لتحويله إلى نهج عملي بعدما استقر إطاراً دستورياً لصيغة الحكم في البلاد.
لكن نجاح هذه الحكومة في مهمتها المحددة والموقوتة هو الذي يفتح أو يقفل الطريق على اتفاق الطائف والقدرة على إيصال اللبنانيين إلى التصور المحدد المشترك العتيد… بما في ذلك تصورهم لدور رئيس الجمهورية و”حصته” في الحكومة مقارنة بحصص حلفائه السابقين ومنافسيه الراهنين وخصومه المستقبليين!

Exit mobile version