طلال سلمان

على الطريق الحزن الجديد

أيها الذاهب إلى الحزن القديم، أين ذهبت بحزنك الجديد؟
أيها المسافر إلى عاشوراء الحسين في النبطية لتبكي، هل عدمت سبباً أو مبرراً للبكاء حيث كنت؟
ألم يقتحم الجنوب الشهيد دارك، ألم يدهمك وأنت في مهجعك، ألم يعتصرك، ألم يفجرك بكاء وقهراً وغيظاً وحنقاً واستشعاراً بالظلم ووطأة العار والجبن والتقصير المذل؟
تسافر إلى البكاء والحزن واللوعة والتحسر على أنك “لم تكن معهم”، قبل مئات السنين، وقوافل الباكين والحزانى والملتاعين والمتحسرين لأنك لم تكن معهم بالأمس، ولست الآن معهم، تحترقك، تملأ عليك الأفق والطريق، تتحداك، تستفز رجولتك: ها نحن فأين أنت؟
إنهم يفرغون الجنوب!
وعلى الفراغ يصلبونك، وفي الفراغ تهيم أنت على وجهك ضائعاً تبكي أو تتباكى، أو تتفرج – كما في المهرجانات الفولكلورية – على الاستشهاد والنزوح والهرب من الذات، وعلى دمك النازف بغير انقطاع!
أيها الذاهب إلى الحزن القديم: كن شجاعاً وعد لتواجه أسباب حزنك الجديد،
فلا الحسين بحاجة إلى دموعك (أو إلى فضولك) ولا الجنوب يحتاجها.
عد لتواجه هذا النظام الذي يزرع فيك الجبن، يسلبك شجاعتك، يحبب إليك التخاذل، يموه عليك صورة عدوك، ثم يتركك وحيداً، عاجزاً، مشلولاً ترى في إسرائيل “القضاء” وترى فيه “قدرك” ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها الذاهب إلى الحزن القديم: لن تجد الحسين في مهرجان النبطية.
الحسين في كفرشوبا والهبارية وكفرحمام وراشيا الفخار والطيبة وفي بيوت النبطية المنسوفة والتي ستنسف،
الحسين وحيداً الآن، هناك، في الجنوب لأنه أقوى من الدولة الكسيح وأقوى من العدو الإسرائيلي،
والنازحون من الجنوب هم مستقبلك، طالما أنك امتنعت وتمتنع عن مشاركتهم مأساة حاضرهم، ولن ينفعهم الماضي ولن ينفعك،
وصورتك التي فوق هذا الكلام، صورتك أنت وصورة أبيك وصورة جدك وصورة حفيدك الذي لم يولد بعد. هيا تعرف، أخيراً، على نفسك.
… حتى لو كنت في بيروت، أو من الشمال، أو من البقاع، أو في أطراف المعمورة. هذا أنت، وهذه صورتك حتى تغير واقعك وتغير نفسك وتعود إلى الجنوب وتبقى فيه.
وليس البكاء طريق العودة ولا طريق التغيير.. ولا خاصة طريق سيد الشهداء.

Exit mobile version