طلال سلمان

على الطريق الحريري وديونه الثقيلة…

لم يكن رفيق الحريري مديناً كما هو مدين الآن،
بل لعله مدين فعلاً بما يتجاوز ثروته التي قدرتها المصادر ذات المعرفة مالياً بمبلغ يتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار.
وقبل أربعة أيام، كان ألاف من اللبنانيين يشعرون إنهم مدينون لرفيق الحريري، البعض بمساعدتهم على تعليم أبنائهم والبعض الآخر بتيسير سبل الرزق أمامهم في شركاته ومؤسساته ومساهماته في إعادة تأهيل بيروت وطرابلس وصيدا.
أما اليوم فإن رفيق الحريري مدين لكل مواطن لبناني أعطاه ثقته مستبقاً نوابه، ومحضه تأييده، والأهم: عقد عليه الأمل في إنقاذه من ليل الانهيار الذي يكاد يفقده ثقته بوطنه وبأهله وبنفسه ويضعه على حافة الانتحار بالاغتراب القسري… على باب الله!
والديون السياسية سهل سدادها: بحقيبة وزارية، مرة، بعضوية مجلس إدارة مرة أخرى، بضم المعنى إلى “دائرة الرضا”، مرة ثالثة، بتمرير بعض المنافع، عبر التعيينات أو التشكيلات في القائم من الوظائف “الممتازة” أو المستحدث،
لكن هذا الدين المعنوي ، وللناس جميعاً، هو المرهق، لأنه ثقيل الوطأة، وضاغط ومتعجل صاحبه سداده، فهو يتوقع رده غداً، إذا ما تعذر رده اليوم (ومضاعفاً)،
ويدرك رفيق الحريري، بلا شك، إنه سيطالب بما لم يطالب به غيره، وبما يتجاوز طاقاته وإمكاناته بالغة ما بلغت، وبالتالي طاقة أي إنسان آخر. إنه الأقدر، وبالتالي فهو في الامتحان منذ الساعة الأولى، وهو سيمتحن، أساساً، في المستحيلات.
لن يقبل منه عذر، لا في التأخير ولا في التقصير. ولن تنفع المطالبة بالصبر، فالناس يعتبرون أن عدم صبرهم على غيره هو الذي عجل في مجيئه، وإن غيره معذور في مطالبتهم بالصبر لأنه “لا يعرف” أو “لا يملك” أو “لا يقدر”، وإنه لا بد من الوقت للاستكشاف والاستئناس ومن ثم طلب المساهمة في المساعدة…
أما هو فقد جاء بعدما أتم ذلك كله، ولولا أنه أتم هذا “الواجب” لما جاء.
إن صبر الناس سينفد مع إعلان تشكيل الحكومة، وفي الصباح التالي سيقول هذا اللبناني المتضجر والمتبرم والمتأفف والمحبط: جاء الحريري ولم يجيء التيار الكهربائي، ولا “جاءت الحرارة” في سماعة الهاتف، أف… خمنا الباشا باشا!!
ولا شك إن في المبالغة بالترحيب بمجيء الحريري تآمراً على الرجل: من أكبر كبير (إذا وجد) إلى آخر حديث علاقة بالسياسة (أو بالاقتصاد)، ينفخ في صورة “الشيخ رفيق” بحيث يحولها إلى أسطورة، ويبالغ في تضخيم قدراته بحيث يمكنه أن يقسو عليه غداً في المحاسبة.
إن طوفان النفاق كاسح… حتى ليستفز المواطن العادي، بدءاً بهمروجة إطلاق الرصاص، مروراً بالأسهم النارية التي ذكرت الناس بفقرهم.
إن البعض يريد إلقاء عجزه على الحريري، والبعض الآخر “يحجز” سلفاً مساحة لعودته واستعادة اعتباره من خلال فشل الحريري، إذا ما فشل، وهذا احتمال يفضل الناس أن يستبعدوه..
كذلك فثمة من يتكرم على الحريري بأحلامه وأوهامه، ويذهب إلى النوم منتظراً أن يجدها قد تحققت وأينعت ثمارها الشهية فقدمت له مع “الترويقة”،
إن البعض يرى في الحريري مجموع عائدات النفط في الجزيرة العربية على امتداد عشر سنوات مثلاً.
والبعض يرى فيه حاصل جمع ثروة الملك فهد وحنكة الرئيس حافظ الأسد والقدرات غير المحدودة للولايات المتحدة الأميركية (ومعها كل صناديق النقد العربية والدولية).
ثم إن البعض الآخر يرى فيه عنصراً لاغياً للآخرين: للمجلس النيابي وللحكومة العتيدة بل ولرئاسة الجمهورية أيضاً وسائر المؤسسات، وفي هذا ما فيه من ظلم للرجل وللمؤسسات المعنية.
ولقد طال انتظار الناس “لموسم الحريري”، ومن هنا إلحاحهم على أن يكون لهم عبره كل ما تمنوه ورغبوا فيه ويحتاجونه، وكذلك كل ما يريدون منعه عن غيرهم… وهذا أحد وجوه معضلة رفيق الحريري.
والامتحان شديد القسوة، والناس – بمراراتهم – غلاظ القلوب : يعطون كثيراً جداً، عن عواطفهم، ولكنهم يريدون أكثر بكثير، وإنجازاً ملموساً قائماً على الأرض،
… إنهم يريدون من رجل فرد ما لم يطلبوه من “الكل” مجتمعون، لكنهم، عند الحساب سيحاسبونه بأقسى مما حاسبوا “الكل” مجتمعين.
ويفترض أن الحريري شاطر بالحساب،
وهذا هو امتحانه الخطير!
بين تبوك والخفوس
يستمر التحرش السعودي بدولة قطر الشقيقة الصغرى للمملكة ، وتتابع المملكة تمددها متجاهلة كل مساعي الوساطة والتهدئة ومناشدات الأخوة بالعودة عن ظلمها،
في هذا الوقت بالذات، تناقلت وسائل الأعلام العالمية المختلفة خبراً بسيطاً مفاده، كما جاء في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية: “سحبت السعودية طائرات مقاتلة من طراز “أف – 15” من قاعدة تبوك الجوية، أثر احتجاج إسرائيل ظل طي الكتمان، لكنه أتاح لإسرائيل الحصول على مكافأة عسكرية أميركية.
“… وقال مسؤولون في القدس المحتلة إن الولايات المتحدة طلبت من السعودية إعادة نقل الطائرات، وقد استجابت السعودية. وأضاف المسؤولن إن الطائرات أرسلت إلى تبوك كجزء من العملية التي تشترك فيها بريطانيا وفرنسا وأميركا لفرض الحظر الجوي فوق جنوب العراق منذ منتصف آب الماضي”.
المفارقة مخزية: أقوياء على الجار الشقيق، متخاذلون أمام العدو القومي حتى وهم يشاركون في التواطؤ على سلامة جار شقيق آخر.
في “الخفوس” وهي أرض الشقيقة الصغرى قطر، تختفي الأخوة وتسقط روابط الدم وصلة الرحم، فيتم قتل جنديين من أصل ثلاثة، ويؤسر الثالث،
أما في تبوك، وهي أرض سعودية خالصة، فتمنع المملكة ذات القدرات العظيمة، وذات الأساطيل، من أن تضع طائراتها – وبينها ما اشترته لدعم “الصديق” جورج بوش أمس ليس إلا – في مطار “سعودي”، ويفرض عليها العدوان تنقلها، ويضغط عليها “الصديق” صاغراً أمام الابتزاز الإسرائيلي فتنقلها مرغمة، ولا تجرؤ حتى على الاعتراض!
… كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضاً!!
وسلام على من أتبع العدى!

Exit mobile version