طلال سلمان

على الطريق الجنوب، الجنوب…

أما وقد أنهت القوات السورية انسحابها من مشارف صيدا، فإن الاهتمام كل الاهتمام يجب أن ينصب الآن على الوضع الخطر في الجنوب، وبالتحديد على المناطق الحدودية منه.
إن إسرائيل تتغلغل في الجنوب، وتمد أذرعتها كالأخطبوط إلى قراه ودساكره وفلاحيه الفقراء تحت ستار زائف من “العواطف الإنسانية” التي تتناقض أصلاً مع الوجود الإسرائيلي ذاته.
إن إسرائيل تطل على الجنوبيين، هذه المرة، بصورة هي نقيض طبيعتها وما تعودوه منها: فهي تقيم المستوصفات، وهي تعرض شراء المحاصيل الزراعية، وهي تسهيل لهم الحصول على الماء والبنزين وبعض مواد التموين،
إنها تقدم لهم “الرشاوى” الكبيرة لأن ما تطلبه منهم يفوق أي تقدير: إنها تحاول شراءهم جميعاً ومعهم الأرض!
إنها تعرض عليهم، ببساطة ، “حقوق” المناطق المدارة من قبلها، مثل الضفة الغربية ولو من دون عسكر في المرحلة الحالية، بشرط واحد بسيط: أن يمنعوا عودة المقاومة إلى الجنوب، فإذا خافوا من المقاومة فإن قبضة إسرائيل الحديدية جاهزة وذراع سلطنتها طويل جداً يصل إلى أوغندا في قلب أفريقيا!
إن الجنوب يعيش الآن حالة عجيبة: الأخبار يسمعها ويراها على التلفزيون الإسرائيلي، وبفضل الحصار السوري فإن “الباب” الوحيد الذي ظل مفتوحاً أمام الجنوبيين هو “الباب الإسرائيلي”.. أو هكذا حاولت أن توهمهم حكومة تل أبيب.
بالطبع نحن لا نبرر لأي مواطن جنوبي أن يتصل بالعدو وأن يتعامل معه، مهما كانت الذرائع والمبررات “المعيشية” ومهما عظمت همومه الحياتية، وهي بكل تأكيد لم ولن تتجاوز هموم غيره من مواطنيه في سائر أنحاء لبنان.
لكن الشجب والاستنكار وحتى الاقتصاص العادل من أي عميل تربيه إسرائيل الآن مستفيدة من الظروف القاسية التي يعيشها لبنانن والجنوب بشكل خاص في ظل غياب شبه مطلق لأي نوع من أنواع السلطة المركزية… كل هذا لا يكفي لأن قضية الجنوب أكبر وبحاجة إلى علاج سريع وحاسم.
وإذا كان السادة من ملوك العرب ورؤسائهم ووزرائهم لا يجدون فائضاً من وقتهم للاهتمام بمثل هذه “الأمور البسيطة” فإن على الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية أن تتحملا مسؤوليتهما كاملة في هذا المضمار.
إن قضية الجنوب هي أكبر معارك “الحروب اللبناني’”، بل لعلها الهدف الحقيقي للحروب الأخرى جميعاً.
وإسرائيل تعد لها، لتفجرها مجدداً متى هدأت جبهات القتال مع النظام السوري ومع القوات الانعزالية، إذا ما هدأت.
وعلينا أن نستعد لها بما يتناسب مع حجمها ومع خطورتها، فأي انتصار نحققه يظل مهدداً بأن يضيع في الجنوب، أما الانتصارات في الجنوب فلا تضيع أبداً، بل هي تمكننا من تحقيق انتصارات أخرى وباهرة على “الأعداء الثانونيين” في الجبل والشمال وبيروت وضواحيها.
وبهذا المعنى فإن قضية الجنوب هي الامتحان الكبير الذي يواجه الحركة الوطنية، ومعها المقاومة الفلسطينية،
ولا بأس من إسقاط ما تبقى من شرعية شكلية وسخيفة إزاء إنقاذ الجنوب وأهله الصامدين.

Exit mobile version