طلال سلمان

على الطريق الجزائر بين الأب الشرطي والمتهم الشهيد

يبدو أن القرار الدولي قد صدر، وإن قوى مجهولة ومعلومة تعمل على الأرض لتنفيذه فتدفع الجزائر في مسار يؤدي – ما لم تقع معجزة من خارج التوقع – إلى حرب أهلية مدمرة تذهب بالشعب والجيش وسائر المؤسسات.
فيوماً بعد يوم، وعبر “التفاصيل” التي تتراكم ساعة فساعة، تتبلور صورة جديدة للجيش كطرف في الصراع، وهذا أخطر ما يمكن أن يتهدد أي بلد وأية دولة.
وبعيداً عن الكلام العاطفي عن هذا الجيش المتحدر من صلب الثورة العظيمة التي أعادت للجزائر هويتها الأصلية وأقامت فيها دولتها المستقلة، فلقد بات صعباً إعادة الجيش إلى ثكناته وتحصينه من الآثار الفتاكة لنزوله إلى الشارع ومن موقع الخصم لفئات وقطاعات واسعة من مجتمعه.
إنها التجربة المرة ذاتها التي عاشها لبنان وكاد يموت في غمارها: الجيش في مواجهة جمهوره الطبيعي، العسكر في مواجهة أهاليهم الفقراء.
إنها أقصر طريق لتصديع المؤسسة – الحصن، الضمان الحقيقي للدولة ولأمن المجتمع، فإذا ما تشرذم الجيش وانقسم على أساس فئوي أو جهوي أو حزبي تصدعت الدولة وانهارت ضمانات السلامة العامة واختل النظام الاجتماعي من أسفل الهرم إلى قمته.
يبقى الجيش قوياً ومهاباً وعامل توحيد وضمانة لوحدة الأرض والشعب طالما ظل بعيداً عن الشارع، وإذا ضبط بهيبته – وليس بسلاحه – حركته بحيث لا تخرج عن القانون الطبيعي للصراع السياسي… أما متى أنزل إلى الشارع فإن اللجوء إلى السلاح يصبح ضرورياً لتوكيد الهيبة، ثم تفرض التطورات التوسع في استخدام السلاح لاستعادة الهيبة بعدما تهزها المواجهات المباشرة مع “الجمهور” الذي سرعان ما سيجد نفسه مضطراً لحماية نفسه بنفسه من حاميه الأصلي الذي صار خصمه. وبعد ذلك سيتقدم خطوة أوسع فينتقل إلى الهجوم باعتباره أفضل وأضمن وسائل الدفاع.
في البداية كانت المواجهة مع “حزب”، بل مع “تيار”، وهذا أخطر، لأن التيار غير محدد، وكالعاطفة تشعر بها ولكن يستحيل عليك “القبض عليها”… وعبر المحاولات اليائسة والتي ستعنف مع كل يوم إضافي في خندق المواجهة ستمتد “العاطفة” فتغطي رقعة أوسع فأوسع، في حين سيخسر الجيش مزيداً من أرضه أو رصيده… العاطفي!
كان “الخصم” جبهة الإنقاذ الإسلامي، في البداية، لكنها ليست هي الحال اليوم.
فمن السهل جداً إلقاء القبض على بضعة عشر شيخاً، وعلى بضع مئات من الملتحين بتهمة الانتماء إلى جبهة الإنقاذ… لكن كل عملية دهم أو اعتقال أو سجن ستعزز التعاطف مع هذا “المتهم” الذي لا تأخذ عليه مؤسسة “الحكم” حتى الساعة، إلا شعبيته في مقابل النقص الشديد في شعبيتها.
والخطر أن يصبح كل شعب الجزائر متهماً، من خلال اعتبار كل مسلم، أي كل جزائري عضواً (فعلياً أو محتملاً) في جبهة الإنقاذ.
الخطر أن يتحول الجيش من ممثل حقيقي لشعبه كله، إلى حزب داخل الشعب، ثم إلى مجرد حزب بينما تتحول جبهة الإنقاذ من حزب في الشعب إلى الشعب وقد انخرط في حزبها.
إن ضرب تيار عاطفي كالذي تمثله جبهة الإنقاذ لن يفعل إلا تأصيل هذا التيار وتجذيره ودفع الناس إلى الالتفاف حوله بعدما يحوله الاضطهاد من متهم إلى ضحية ثم إلى شهيد، بينما تتحول القيادة من “أب صالح” إلى “شرطي” ثم إلى جلاد.
أترى فات أوان التراجع وتجاوز الجيش نقطة اللاعودة؟!
المؤسف أن “التفاصيل” توحي بذلك.
ولكن في الجزائر قيادات مؤهلة وذات تاريخ مجيد وذات قدرة على التمييز بين الثورة والحرب الأهلية، فهل ترى ما تزال تملك فرصة المبادرة لوقف الطوفان؟!
كل العرب يتمنون ذلك، وينتظرون مبادرة شجاعة بمستوى إطلاق الرصاصة الأولى من أجل الثورة،
فالمطلوب اليوم منع الرصاصة الأولى في الحرب الأهلية من الانطلاق، ولا شك أن في الجزائر ذات التجربة الغنية من يستطيع أن يحاول.
لا بد في الجزائر من هو على استعداد لأن ينجز مهمات “الجهات الأفضل”.

Exit mobile version