طلال سلمان

على الطريق الثقة نقداً وبالدولار..

كل شيء في لبنن – التاجر قابل للبيع والشراء،
من قبل أن يبتدع اليهود الأميركان شعار “ادفع واحمل” كان الحفيد الفينيقي يطبق شعار “هات وخذ”، في السياسة كما في التجارة كما في سائر المجالات الحيوية.
في العهود “الغابرة” كانت قاعدة البيع والشراء قابلة للتطبيق على المقاعد النيابية والوزارية والوظائف الحكومية وصولاً إلى الدركي والمتطوع لحماية حدود البلاد وعلمها، إضافة إلى الحرس الجمركي وحرس المطار ومأموري الأحراج.
أما في عهد الطائف فقد صارت للطوائف والمذاهب مرجعيات سياسية بعضها بثياب الميليشيا وبعضها الآخر بثياب رجال الدولة، وصارت لهذه المرجعيات صناديق وشركات قابضة “هولدنغ” ومجالس إدارات و”مصارف” تابعة أو “شقيقة” في الداخل أو ما وراء البحار.
الجديد إن الثقة بالحكومة أنزلت هي الأخرى إلى السوق، ولو في مرتبة السلعة الاستراتيجية.
ولقد تم تحوير شعار يهودي قديم فصارت صياغته كالتالي: ادفع دولاراً تسقط حكومة!
… وها نحن نشهد الرد “الوطني” على هذا الشعار عبر الممارسة العملية!
فإذا كان دولار الخصم، الوافد أو الطارئ، قادراً على إسقاط الحكومة “الكرامية” فإن الدولار “المقيم” قادر على تثبيت الحكومة الصلحية.
دفعوا فانزلوا قيمة الليرة، وقيمة الحكومة، وملأوا الطرقات بالحرائق الصغيرة، وملأوا الأيدي بالعصي (التي تبين إنها أعدت في “المنشرة” ذاتها وبالمقاس نفسه)… وهكذا احترقت الثقة في ما احترق من إطارات السيارات القديمة،
أما اليوم فيستخدمون الدفع لتحقيق نتيجة معاكسة تماماً:
إنهم يدفعون لكي يؤمنوا للحكومة الثقة… ثمة “الشعب”، وثقة نوابه “المعين” منهم و”الممدد له”.
ولقد أثيرت زوابع من الاتهامات حول امتناع مصرف لبنان عن التدخل في السوق النقدي لوقف الانهيار المريع في سعر الليرة، قبل أسابيع، واعتبر بيانه الشهير بمثابة “رصاصة الرحمة” على حكومة عمر كرامي،
أما اليوم فثمة لغط حول عودة مصرف لبنان إلى السوق، وإن بشيء من الخفر، لتأمين خفض سعر الدولار ورفع قيمة الحكومة في عيون شعبها الفقير،
وليس مهماً التساؤل عمن “يشفط” اليوم ما يدفعه الشعب الفقير إياه من احتياطيه الضئيل (عبر مصرف لبنان) لتدعيم الحكومة التي ولدت مصدعة، فمن لم يسأل عن مئات ملايين الدولارات التي هدرت من قبل لن “يغص” بحفنة قليلة تدفع هذه الأيام لتأمين الصحة والسلامة لحكومة المصالحة الوطنية!
الثقة نقداً، وبالدولار!
والـ “لا ثقة” نقداً وبالدولار،
على أن الثقة أرخص تكاليف من اللاثقة،
فبائع الثقة أكرم من شاريها بكثير.
ويمكن أن تضيف إلى الأسئلة المعطرة التي تختزنها ذاكرتك المجهدة: بكم فتحت الثقة بالحكومة اليوم، وبكم أقفلت؟!
“حقوق” الإنسان اليهودي
على “المخلوق” العربي..
مع نهاية الجولات الأولى من “حرب” المفاوضات المتعددة الأطراف التي أجريت على نطاق الكون كله، وبمشاركة الزامية من الدول جميعاً بحيث لم يغب عنها إلا لبنان وسوريا، بات ممكناً تحدحيد “حقوق الإنسان” أميركياً وحقوق المشروع الإمبراطوري إسرائيلياً على الوجه التالي:
1 – على كل عربي أن يقدم ما عنده إثباتاً لإيمانه بمبدأ “حقوق الإنسان”.
2 – من حق أي يهودي في أربع رياح الأرض أن يطالب كل عربي بكل ما عنده من متاع ونقد وأملاك باعتبارها بعض متعلقات أرض الميعاد التي وعده بها الله، عز وجل،
وهكذا فمع وصول المهجر اليهودي من روسيا، مثلاً، أو المهجر اليهودي الآخر المستقدم من الحبشة، يتوجب على العربي – وفوراً ومن دون نقاش – أن يقدم ما عنده لهذا المعدم الآتي تحقيقاً “لوعد الرب”:
أ – على الفلسطيني أن يقدم الارض، كل الأرض،
ب – على السوري واللبناني والأردني أن يقدموا موارد المياه، سواء أكانت تنبع في أراضيهم أم تصلها من خارجها.
ج – على أبناء الجزيرة والخليج أن يقدموا بعض النفط، لتمويل مشروعات استصلاح الأرض “الفلسطينية” واستثمارها واستيطانها وجر مياه الري والشفة من مصادر المياه اللبنانية – السورية – الأردنية الخ،
د – وعلى المصريين أن يخرجوا من دائرة الصراع، وأن يعيشوا خلف سيناء في “سلام”، موفرين لهؤلاء المهجرين اليهود الهاربين من القمع والجوع والحروب الأهلية، الأمن والطمأنينة والفرصة لاستثمار الأراضي الجديدة بمياهها الغزيرة وبأموالها الأشد غزارة.
“حقوق الإنسان”، بالأميركي، أن تلغي نفسك ليعيش غيرك في بيتك،
“حقوق الإنسان”: أن تقدم بلادك، مفروشة، لليهود المستقدم من آخر الدنيا، وإلا فأنت العنصري الإرهابي المستأهل عقاباً مثل الذي أنزل وينزل بالعراق أو بليبيا.
لكأنما من شروط النظام العالمي الجديد أن يصنف “اليهودي” وحده إنساناً في هذه الأرض التي تعد مسقط رأس الإنسان،
ومن أسف أن الأنظمة القائمة في هذه البلاد تسلم بهذه النظرية، طمعاً بدخول جنة النظام العالمي الجديد، أو خوفاً من إبقائها خارجه، وتعمل وكأن اليهودي هو “الإنسان” الوحيد، أما رعاياها فأنواع من المخلوقات التي بالكاد تستحق نعمة أن تأكل وتشرب وتتناسل وتنام.
والمشكلة أولاً وأخيراً في النوم!

Exit mobile version