طلال سلمان

على الطريق التطبيع الداخلي!

… ومن أجل أن تبقى “خلدة” لبنانية ولا تصير – بالتهاون – إسرائيلية، كما صارت “الخالصة”، – بالقهر – كريات شمونة، يجب أن يغلق هذا السيرك التضليلي المفتوح في بيروت، عبر سيل التصريحات والبيانات والأحاديث المنشورة والمذاعة والمتلفزة، والذي يلعب دور المروج للتنازلات والانحراف والتفريط بالوطن والمواطنين!
يجب أن يضرب هذا الجهد المحموم والمركز لتصوير المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي وكأنها حدث عادي وتصرف طبيعي وروتيني مثله مثل عقد اتفاق تجاري مع تنجانيقا أو التصديق على اتفاق الملاحة في أعالي البحار.
وعلى الدولة نفسها أن تتدخل لتضبط بعض وسائل أعلامها الرسمي أولاً، بحيث تحفظ المسافة الضرورية بين لبنان القابل بالتفاوض نتيجة إنه ملغوب على أمره وكوسيلة لإخراج الاحتلال، وبين الطرف الإسرائيلي الذي عاملنا دائماً ويعاملنا الآن وسيظل يعاملنا من موقع العدو مهما قدمنا له من تنازلات على حساب السيادة والاستقلال وحرية الوطن.
كذلك فإن على الدولة أن تتدخل للجم بعض المزايدين في ادعاء صداقتها، لاسيما أولئك الذين يفترضون إنهم إنما يقتربون ويتقربون من الرئيس أمين الجميل بمقدار تهاونهم تجاه أرييل شارون!
إنها، بداية وانتهاء، مفاوضات مع جيش الاحتلال حقيقي، لا هو ينكر هويته، ولا الدنيا تنكرها، ولا ينفع في تمويهها أن يزعم بعض العملاء أو السذج أو المضللين إن إسرائيل هي المنقذ وإنها ما دخلت إلى لبنان إلا لكي تحرره من “الغرباء”!
وإذا ما تجاوزنا حقيقة إن هؤلاء المفرطين اليوم في امتداح المحتل الإسرائيلي كانوا بين الغلاة في ادعاء الصداقة لأولئك “الغرباء”، وإنهم كانون يمضون أوقاتاً طويلة بين الفاكهاني وأبو رمانة، ويطلقون التصريحات ذاتها من دون تعديل إلا في الأسماء، فإن ما يبقى هو أن ثرثراتهم تضاف إلى رصيد الطرف الإسرائيلي ليواجه بها لبنان (كأنما ينقص الخواجا كيمحي المزيد من الأوراق!!).
إن العديد من التصرفات الشائنة والأقوال الخرقاء التي صدرت وتصدر عن لفيف من “رجال العلم والفكر” كما عن بعض السياسيين وحتى عن بعض الرسميين، تضعف موقف لبنان وتسهل مهمة إسرائيل في ابتلاعه (كله أو بعضه)، ولن ينفع في تبريرها التشدق بالحرص الزائد على لبنان اللبناني المطهر من أثر الرجس العربي!
إن الشروط التي تحاول إسرائيل فرضها على لبنان عبر المفاوضات هي – في أبسط توصيف – إلغاء للبنان “دولة ودوراً، شعباً ورسالة وحضارة، وهي الاذلال بعينه لكل اللبنانيين الذين اشتهروا بالإكثار من استخدام تعابيير مثل الكرامة والكبرياء والشموخ والعنفوان حتى بات زجلهم الشعبي أشبه بقاموس لهذه المفردات.
وإذا كانت الدولة معذورة في قبول مبدأ التفاوض لإخراج المحتل، وإذا كان اعلامها الرسمي مرتبكاً، إلى حد ما، في تحديد الموقف الفعلي من إسرائيل وما تطلبه، ربما لعدم التشويش على جو المفاوضات، فلماذا هذا التبرع “الشعبي” بتسويغ التنازلات سلفاً؟!
ثم، لماذا هذا الصمت المريب الذي يعتصم به سياسيون آخرون وتنظيمات وقوى سياسية طالما اشتهرت بكثرة الكلام، حتى حين يكون الصمت من ذهب؟!
وأين هي حركة الرافضين للاحتلال، كما لمحاولة الإخضاع والترويض التي تمارسها إسرائيل عبر المفاوضات، بحيث يكاد الاحتلال يصبح أقل كلفة من شروط الجلاء.. هذا إذا حصل!
وماذا ترى ينفع لبنان أن يخرج جيش الاحتلال الإسرائيلي من بعض مدنه وقراه ليحتل كل إرادته وقرار دولته، ناهيك بالاستقلال والسيادة وحلم التوحيد؟
وهل يجوز أن نطلب من الأميركيين أن يكونوا أكثر تصلباً من المسؤولين عن الوطن والنواب عن الشعب وممثلي إرادته عن طريق الصندوقة أو عن طريق البندقية المحررة؟!
ونقولها بصراحة: إن دعم الوطن شعباً ودولة ومؤسسات، هو المدخل إلى دعم العهد والشرعية، ودعم الشرعية والعهد، في هذه اللحظة التاريخية الفريدة، له طريق واحدة لا غير هي تعزيز موقفه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتمكينه من التصدي لاطماعه وشروط التطبيع.
فليس أمين الجميل في حاجة إلى من يجامله أو ينافقه شخصياً، بل هو يحتاج إلى من يسانده بموقف عملي من القضية الوطنية الأولى: الاحتلال الإسرائيلي، فبمثل هذه المساندة تتكرس صحة تمثيله وصدق تعبيره عن إرادة المواطنين في تحرير لبنان وإعادة توحيده.
ودعم أمين الجميل يكون في خلدة، أما الذي يسابق في الوصول إلى الخالصة التي صارت – بالقهر – كريات شمونة فهو يقصد إلى شارون ليبيعه مع لبنان رئيسه أمين الجميل.
وأمثال هؤلاء هم صناع التطبيع الداخلي والمنتفعون به.

Exit mobile version