طلال سلمان

على الطريق التضامن العربي وموقع لبنان في اللقاء المصري – السوري

تزامن عصر “الازدهار” اللبناني، الذي كثيراً ما يترحم الناس عليه، مع التقارب فالتلاقي فالوحدة بين مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة في العام 1958.
ولقد أفاد لبنان من مزايا هذا التقارب الذي انتهى باندماج القطرين في دولة واحدة، وأفاد أكثر من الآثار السلبية للقرار العاطفي المتسرع على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل القطرين المعنيين، كما أفاد من “الحرب” التي شنتها الأنظمة المعادية على الدولة الوليدة التي تولت – بجدارة – قيادة الوطن العربي من محيطه إلى الخليج.
وليس من المبالغة في شيء أن يقال أن لبنان كان في موقع “الشريك المضارب” فكسب من الوحدة وكسب أكثر من الانفصال، في حين خرج الشعبان الشقيقان (والأمة كلها) من التجربة الرائدة خاسرين.
وحين استعادت العلاقات المصرية – السورية سويتها بعد سقوط حكم الانفصال (1963)، توفرت موضوعياً القاعدة الصلبة لتضامن عربي فعال سرعان ما صاغت له قيادة جمال عبد الناصر التاريخية إطاراً ممتازاً هو مؤسسة القمة العربية التي ولدت في علام 1964 مستولدة معها إنجازات عظيمة أبرز ما بقي منها منظمة التحرير الفلسطينية وبعض ما حققته ولم تمكن من أن تتمه القيادة العربية.
في ظلال مؤسسة القمة العربية هذه تعاظم “الازدهار” اللبناني والذي كان يقدم العنوان الجذاب للتضامن العربي متى قام على الأسس الطبيعية السلمية.
اليوم وفي ضوء اللقاء الجديد بين القاهرة ودمشق وما أشاعه من ارتياح نفسي عام تخطى حدود القطرين اللذين تلازما وربطت بينهما رفقة سلاح وعروة وثقى تعمدت بالدم عبر تاريخ نضالهما المشترك الطويل، يستعيد اللبنانيون ذكريات عصر التضامن العربي بخبراته العميمة على لبنان وأبرزها الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي.
فاللبنانيون يدركون بوعي مستفاد من دروس تجربتهم الدامية الغنية أن حربهم أو حروبهم الأهلية تستعر نيرانها وتتفاقم مخاطرها بقدر ما يغيب التضامن العربي أو يختل، وإن احتمالات الحل تقترب وتتبلور وتصبح ممكنة التحقق كنتيجة مباشرة لاستعادة العرب جنة تضامنهم المفقودة ولعودة الروح إلى مؤسسات هذا التضامن وأخطرها القمة العربية وما يتفرع عنها، وصولاً إلى اتفاق الطائف وترجمته العملية على أرض الواقع في لبنان الممزق والنازفة مزقه المزوقة بأعلام التقسيم!
وإذا كان الحسن الثاني، ملك المغرب قد كشف بعض مكامن الخلل في مؤسسة القمة، مباشرة غداة انتهاء قمة الدار البيضاء حين ربط حل الأزمة في لبنان بإنهاء ما أسماه الصراع السوري – العراقي، فإن اللجنة الثلاثية العربية ما زالت حتى اليوم تواصل جهودها لإقناع النظام العراقي (ومعه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية) بوقف الحرب على سوريا في لبنان، لكي تتمكن من إقرار تسوية مام ولو على شكل هدنة طويلة يمكن أن تساعد على قيامة الدولة وحكمها المركزي التوافقي… في انتظار الحل النهائي لأزمة المنطقة.
من هنا افتراض اللبنانيين، وربما تمنيهم، أن يعزز اللقاء المصري – السوري الجديد احتمالات قيام تضامن عربي جدي، ولو على أهداف محددة ومحدودة، من بينها وقف (أو تجميد) الحرب الأهلية في لبنان بإزالة بعض أسبابها وبعض النتائج السياسية والعسكرية والنفسية التي صارت أخطر من الأسباب التي ولدتها.
إن التقارب بين القاهرة ودمشق ينهي أحد وجوه الخلل الخطيرة في مرتكزات التضامن العربي، ويساعد على إنهاء أو الحد من التأثيرات الضارة لبعض وجوه الخلل الأخرى.
كما أن هذا التقارب يساعد في إعادة قدر من التوازن إلى السياسة العربية عموماً، وعلى قاعدة هذا التوازن تستعيد مؤسسات التضامن العربي، القمة وحتى الجامعة العربية، قدرتها على الإنجاز.
بصيغة أصرح وأوضح فإن هذا التقارب، متى ترسخ، من شأنه أن يلجم الحرب التي يشنها النظام العراقي (ومعه قيادة منظمة التحرير) على سوريا في لبنان، وأن يعطي زخماً لجهود اللجنة الثلاثية من أجل تنفيذ اتفاق الطائف.
هذا إذا كانت اللجنة الثلاثية، بأعضائها جميعاً، ترحب بهذا التقارب وترى فيه الخير، ولا تشاغب دولها أو بعضها عليه حتى لا يثمر ولا يتجذر في الارض.
ويمكن هنا أن يكون للعقيد معمر القذافي دور فاعل، خصوصاً وإنه الشريط الثالث في التقارب المصري – السوري حتى لو غاب عن الصورة.
كذلك فهناك دور فاعل للشيخ زايد بن سلطان، رئيس دولة الإمارات العربية والذي كان رائد المطالبة بعودة مصر إلى موقعها في حضن أمتها العربية، بوعي منه لدورها الذي لا يمكن تعويضه في إرساء قواعد التضامن العربي، وبإدراك لوزنها المؤثر والضروري للجم المشاغبات والأعمال الكيدية والانتقامية التي يلجأ إليها بعض الأنظمة بدافع من الحقد ولو على حساب مصالح قطره وأمته جمعاء.
والتضامن العربي سلاح خطير إذا أحسنت اللجنة الثلاثية استخدامه من أجل مهمتها في لبنان،
إن غيابه يعرض مهمتها للانهيار ويدفع لبنان نحو غياهب التقسيم والتفتيت وأوهام الكانتونات والوطن القومي المسيحي أو “دولة المسيحيين العرب”،
أما استحضاره وحسن استخدامه والعمل لترسيخه فقوة هائلة تلجم تجار الحروب وتكبح جماح الحاقدين والموتورين والعاملين لمصلحة العدو القومي، داخل لبنان وخارجه بوعي أو بغير وعي،
وما أكثر هؤلاء، وما أضعف سبل مواجهتهم، حتى هذه اللحظة!

Exit mobile version