طلال سلمان

على الطريق التحرير بالاحتلال… الأميركي

السؤال الآن: من بعد شولتس؟
والسؤال الثاني الآن: ماذا بعد شولتس؟
لقد جاء وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة كارهاً ومرغماً، وفي مهمة كان يعرف سلفاً إنه لن يستطيع أن يحقق فيها نجاحاً يذكر.
بل هو ترك الجميع يعرفون إنه إنما آتى لأسباب معنوية أكثر منها سياسية، ومرتبطة بهيبة الولايات المتحدة ودورها في المنطقة بعد تفجير سفارتها في بيروت أكثر مما هي مرتبطة بقضية الاحتلال الإسرائيلي للبنان وضرورة إنهائه بما يفتح الباب لخروج القوات المسلحة العربية المتواجدة فوق أرضه.
من هنا فإن شولتس شخصياً لا يتوقع بالتأكيد أن يحقق معجزات لم يدع أصلاً إنه جاء لكي يجترحها.
ويكفي شولتس من النجاح – بالمنطق الأميركي – أن يقال إنه جاء فاستطلع وعرف وفهم وفوق هذا كله “نشط” المفاوضات بين اللبنانيين والإسرائيليين، وأعاد فتح ملف العلاقات الأميركية – السورية، وأوقف الالتباس الناشئ في العلاقات الأميركية – الأردنية، وطمأن “الأصدقاء” السعوديين و”الحلفاء” المصريين من دون أن يستفز مشاعر الريبة والشك لدى الشركاء الإسرائيليين،
بكلمة، يستطيع شولتس أن يعود إلى من أوفده فيهدئ روعه مؤكداً له إن “كل شيء هادئ” على جبهة الشرق الأوسط، وإن رصيد واشنطن ما زال عظيماً بحيث يمكن الالتفات على عودة السوفيات إليها واستيعاب اندفاعتهم المفاجئة الجديدة.
ويصبح لزاماً على من سيفجع، هنا أو في المنطقة، بهذه النتائج المحدودة لمهمة شولتس، أن يقبع في ظلال خيبته منتظراً موفداً آخر ، أقدر على إتيان العجائب والمعجزات.
لقد نسي البعض أو تناسوا بعض الحقائق الأساسية البسيطة، حتى اضطر وزير الخارجية الدكتور إيلي سالم أن يذكر بها، ومنها:
*إن شولتس وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، وإن قدومه ومهمته ودوره وكل ما اتصل به إنما هو مكرس لاستشكاف مصادر الخطر على مصالح بلاده تمهيداً لاقتراح ما يحميها ويؤمنها ضد الاحتمالات المختلفة المتوقعة أو المقدرة في ضوء التطورات الراهنة بكل تداعياتها المنطقية.
*إن العلاقات الأميركية – الإسرائيلية تبحث وتناقش بين المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين على مستوى مختلف تماماً، وبلغة مغايرة كلية، وضمن أصول خاصة جداً ليس في حديث الأميركيين مع العرب، جميعاً، أي شيء منها.
هم يناقشون علاقة تحالف أو تكامل استراتيجي، هم، معاً، الغرب قيادة وجيشاً، الخطة واحدة وإن تعددت أساليب التنفيذ، والهدف الأساسي واحد ولو تمايزت أغراض الحلفاء، وقد تعدل الخطة بحيث تستوعب مشروع الشريك إذا ما استطاع أن يمرره بفعل قوته على الأرض، ومن غير أن يمس بالهدف الأساسي.
أما معنا فالنقاش يتخذ مساراً آخر مؤداه: كيف يمكن الحفاظ علينا، داخل المشروع الغربي العام من دون المساس بضمانات الوجود الإسرائيلي، بما هو جوهر أو صلب المصالح بل الاستراتيجية الغربية (الأميركية أساساً) في المنطقة.
ومن هنا فليس ما يختلف الأميركيون حوله مع الإسرائيليين ينعكس بالضرورة اتفاقاً بينهم وبيننا.
بالمقابل: فإن كل ما يتفقون معنا عليه لا بد أن يستوعبه اتفاقهم الاستراتيجي الثابت والدائم مع الإسرائيليين.
وهكذا فهم لا يقتربون منا، بل علينا نحن الاقتراب منهم باستمرار، وغالباً ما يتم ذلك تحت وهم السعي لإبعادهم عن الإسرائيليين، أو لحفظ المسافة ثابتة على أقل تقدير.
*إن الولايات المتحدة معنية، ربما أكثر من بعض الأطراف اللبنانيين، باستمرار العلاقات متينة وثابتة وأخوية بين لبنان وأشقائه العرب، لأسباب تتصل بصميم مصالحها في المنطقة.
وبقدر حرصها على عدم “تورط” لبنان في معاهدة أو اتفاق مع الإسرائيليين بنسف صلاته ودوره وعلاقاته العربية، فإنها حريصة على الوصول إلى صيغة، يخرج معها الإسرائيليون من دون أن يشعروا بأنهم خسروا ربحاً محققاً كان في أيديهم.
من هنا فهي تطرح نفسها البديل : تدخل بقدر ما يخرجون، حتى تطمئنهم من جهة، وتحرجهم إذ لا يستطيعون إعلان رفض مطلق، خصوصاً إذا ما ربط هذا كله بالتواجد السوفياتي “المتعاظم” في المنطقة.
فإسرائيل هي “الغرب” بالمقارنة مع العرب، بمن فيهم لبنان،
لكنها ليست “الغرب” إزاء الولايات المتحدة، ثم إنها ليست “كل” مصالح الغرب، وليست “كل” وجوده ، وإذا كان من “حقها” أن تطالب بضمان وجودها باعتبارها “الوكيل” فليس من حقها الاعتراض على وجود “الأصل” وإن ظل ممكناً أن تنافسه وأن تنازعه على وحدانية السلطة.
ماذا بعد شولتس؟!
أن تتخذ واشنطن قراراً “باحتلال” لبنان، من أجل إجلاء الإسرائيلي (والآخرين) عن أرضه!
وفي انتظار مثل هذا القرار، الذي قد “يتوسط” من أجله العديد من حكام العرب، لا معجزات ولا عجائب ولا اتفاقات سحرية حتى لو أقام شولتس في طائرة تنتقل به بين بيروت والقدس المحتلة.

Exit mobile version