طلال سلمان

على الطريق التبرير الاقتصادي لإلغاء الأوطان!

في البدء، كان “الرئيس المؤمن” محمد أنور السادات،
وكان الاقتصاد هو الذريعة في “الخروج” وفي “كسر الحاجز النفسي” وفي “الزيارة” والصلح المنفرد ومعاهدات كامب ديفيد، وتحويل مصر إلى ما يشبه “المحمية” الإسرائيلية.
كان الوعد للمصريين بأن الانحراف السياسي هو الطريق للازدهار الاقتصادي، وأن “الوطن” لا يطعم خبزاً بينما المنتجع السياحي هو أقصر طريق إلى الشبع، وأن الإسرائيلي الذي كان عدواً سيتحول مع السلم إلى محسن كريم ورجل برهمه إطعام المصريين.
وعلى طريق أنور السادات، مشى عرفات متأخراً خمس عشرة سنة: رفع الصوت شاكياً الشح العربي الذي أدى به إلى الإفلاس، وبرّر الخروج من “طالثورة” إلى “حرس الحدود” بضرورة توفير الطعام لكل فم فلسطيني، ولا سبيل إلا بالتوقيع، لأن مفاتيح كنوز الدنيا في يد الإسرائيلي.
وها هو الملك حسين يبرّر جنوحه إلى السلم بضائقته الاقتصادية، ويصارح الأردنيين (وسائر العرب) بأنه لن يرفض تسعمائة مليون دولار(هي مجمل ديونه الأميركية) مقابل صورة واحدة مع إسحق رابين.
بعد سبع عشرة سنة من مغامرة السادات، لم تتحسن أوضاع المصريين المعيشية، ولم ترفرف أعلام الازدهار إلى جانب العلم الإسرائيلي في القاهرة، بل إن الفقراء أكثر فقراً وأكثر عدداً بما لا يقاس اليوم، كما أن “الأغنياء” إنما اغتنوا بما سرقوه من عرق الفقراء وخبزهم، وبنهب مداخيل الدولة ومواردها.
وياسر عرفات “الرئيس” في غزة الآن، لم يحل بتوقيعه المشكلات الحياتية المخيفة في الأرض المحتلة، ولم يحمل معه مليارات الدولارات لإعادة بناء البنى التحتية وإنعاش اقتصاد المخيمات، وهو بالكاد يؤمن رواتب رجال الشرطة وحرسه الشخصي، وقد تبخرّت وعود “الدول المانحة” مع تعهدات المصرف الدولي، بمجرد عبوره إلى الداخل بتأشيرة المحتل.
وعبد السلام المجالي الذي نافس شيمون بيريز في توصيفه الشاعري لأجواء اللقاء التاريخي، أمس الأول، في الشونة، يستنجد بالسياحة لتغطي عورات السياسة.
نحن مهزومون، نعرف ذلك، والحرب لم تعد خياراً مفتوحاً. والتحرير توارى طي الأحلام التي باتت مخبوءة ومخفية بعناية خوفاً من المصادرة.
لكن استبدال الوطن بالفندق ليس هو الحل، بدليل أن التجارب أثبتت أن مثل هذا الخيار لم يحل أية مشكلة، بل أضاف مشكلات جديدة إلى القديمة.
لقد أصابنا ما أصاب الروس: كنا جائعين مع قدر عال من الكرامة، وها نحن خسرنا الكرامة ولم نربح الخبز!

Exit mobile version