طلال سلمان

على الطريق البوشيون!..

لولا بقية من حياء، وخوف من عقاب لاحق، لخرج بعض سلاطين العرب إلى الشوارع يهتفون للرئيس الأميركي جورج بوش طالبين من الله أن ينصر من ينصره وأن يعادي من يعاديه، ولأمروا مشايخ السلطان بأن يعتلوا المنابر ويطلقوا الدعاء حاراً باراً – كما في صلاة الاستسقاء – من أجل قضاء هذه الحاجة التي تهون دونها الأموال والاعمار وفلذات الأكباد!
فالعرب، لعظيم هو أنهمن لا يملكون غير التمني الكسيح أداة للتأثير في سير هذه المعركة الانتخابية المثيرة (بطرائفها وحمامقات أبطالها ونتائج استطلاعات الرأي بين جمهور علاقته بالسياسة نظرية – سمعية ليس إلا…)
إنهم محاصرون، في الخيار المرن بين مرشحين: أحدهم انتصر عليهم إلى حد تدمير حاضرهم، والآخر قادم وسط عاصفة تأييد إسرائيلية، يسبقه وعيده بأنه سيدمر مستقبلهم!
وهم، كأي عاجز ومعطل الدور، يجلسون مشدودين إلى شاشات التلفزيونن يعتصرهم القلق بقدر ما يخيفهم انتقال العدوى، لا سمح الله، إلى بلادهم “المقدسة”، فيضطرون ذات يوم – والعياذ بالله – لأن يتحركوا في طول البلاد وعرضها، عارضين أنفسهم (وزوجاتهم!!) ومساعديهم وبرامجهم، هكذا في الهواء الطلق وعلناً، بينما إحدى القواعد المذهبة التي يعتمدون تقول: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان!!
صحيح إن في تاريخهم الغابر، لا أعاده الله، ما كان يقضي بمثل هذا، فلا يكون خليفة إلا من نال البيعة من الناس بالمصافحة، علناً وفي “الجامع” الذي كان دار الندوة، و”المؤتمر الشعبي الدائم والمفتوح”، يتلاقى فيه الناس للتداول في شؤون دنياهم ولا يكرس فقط للصلاة، فلا تحتاج الصلاة إلى أبنية أشبه بأضرحة الفراعنة تقوم رمزاً لإنفاق المال في غير محله بينما الأحياء المجاورة “للمساجد” تضيق بالفقراء المتضورين جوعاً.
… أو يضطرون، أكرمكم الله، إلى المجاهرة بسياساتهم في الداخل والخارج، وإلى مصارحة الناس بثرواتهم ومن أي جاءتهم، وكيف ينفقونها، وهل يدفعون الضرائب عنها أم لا،
… أو إلى إعلان مواقفهم الفعلية والتي سيحاسبون عليها لاحقاً من مختلف القضايا المطروحة، بدءاً بالزواج والطلاق، وصولاً إلى التحالفات والعلاقات مع دول العالم، كبراها والصغيرة.
كل ذلك، حاشاك، من دون كذب، والكذب ملح الرجال، والصدق مقتل “السياسي الناجح”،
ثم هناك مسالة الحريات وحقوق الإنسان والتسليم للآخرين بالمعارضة وحق الاختلاف، والسعي لإثبات الأهلية والجدارة بالممارسة الفعلية وليس برفع شعار عزيز على قلوب الناس ثم السلوك بما يناقضه تماماً ويفض اجتماع الناس عليه وبالتالي على قضايا وطنهم وأمتهم!
حكام العرب، بمجملهم، “بوشيون”، إذاً، وقد عهدوا غليه بما أتعبهم النضال من أجله كمثل تحرير فلسطين وممارسة سيادتهم على أرضهم وثرواتها، بما فيها حقول النفط والممرات الاستراتيجية المائية والبرية والجوية، وتحرير الإنسان من خوفه (من قمع السلطان) ومن فقره ومن جهله، وتمكينه من تحقيق حلمه في غد أفضل.
لا يهم أن يكون بوش قد أخذ منهم ما لم يأخذه غاز أو محتل أو قاهر عبر تاريخهم الطويل، المهم ألا يأتي ذلك المجهول الذي لا يعرفونه، والذي سيأخذ منهم أكثر وأكثر من دون أن يتكرم عليهم حتى باتصال هاتفي (اما زيارة المجاملة فهي في منزلة تتخطى تمنياتهم)..
إنهم غائبون في بلادهم وعنها، فكيف سيحضرون هناك ويؤثرون؟!
إن مصائرهم حتى الشخصية معلقة بكلمة تخرج من شفتي الحاكم سعيداً في واشنطن، فكيف إذن سيكون لهم رأي غير إعلان الولاء صبحاً ومساء لهذا الذي أرادته كالقضاء، لا راد لها؟!
“العرب بوشيون”، انطلاقاً من موقف حكامهم..
وهم قد دفعوا في معركته من حقوقهم القومية والوطنية (إضافة إلى ثرواتهم) كل ما يمكنهم التصرف به، فعسى أن ينفعه، فلا تذهب “تبرعاتهم” هباء، بحيث يعجزون – من بعد – عن استرضاء خصمه العنيد كلينتون الذي لا يأخذون عليه “إسرائيليته” بقدر ما يعتبون عليه أنه قد تجالهم تماماً وإنهم ملغون تماماً كأنما لا وجود لهم ولا ضرورة لأن يحدد منهم موقفاً ولو بالعداء
… مع ذلك يرفض حكام السعودية كل مساعي المصالحة مع جارتهم الصغيرة والمسألة إلى حد التماهي معهم، قطر، ويصرون على اقتطاع جزء من أرضها الصحراوية، وتهديد من يعصو إرادتها بالعصا،
… ومع ذلك يشارك بعض سلاطين العرب في التآمر على وحدة العراق، ويدعمون الانفصاليين فيه، ويصنفون شعبه سنة وشيعة وأكراداً وتركماناً الخ، ويرتضون – بل ويحتضنون – تيارات مشبوهة تقيم تحت حراب الأجنبي وفي ظل غطائه الجوي “حكماً” و”حكومة” و”برلماناً” تدليلاً على “التمتع” بحق تقرير المصير!!
ففي سياق ادعاء الاعتراض على حاكم يتم التآمرعلى وحدة الأمة كلها، عبر العراق، ويكون طبيعياً من ثم أن تتوغل القوات التركية – جهاراً ونهاراً – في أرض الرافدين بحجة مطاردة “الانفصاليين الأكراد”!!
أي أن من حق تركيا أن تبيد من تتهمهم بالانفصالية من أبناء “شعبها” ممن تنكر عليهم حق الانتماء إلى عرقهم (الكردي)، في حين يزود الأكراد الانفصاليون في العراق بالسلاح والمال والتغطية السياسية وهم يعملون لتدمير بلادهم ذاتها وإبادة مستقبلها.
مع ذلك فالعرب مع بوش ولو خسر!
لقد تعودوا أن يكونوا “مع” السلطة، فكيف بالله عليك تريدهم أن يعارضوا أعظم رئيس في الكون؟!
ولا مشكلة مع كلينتون، فسيكونون أيضاً معه، ولو في مرتبة الخدم، وسواء أطلب ذلك أم لم يطلبه.
فحين يغدو رئيس أميركا سيكون رئيسهم، وهم لن يغيروا إلا الاسم في نهاية الهتاف: “بالروح، بالدم، نفديك يا…”
“صبي والا بنت؟! يا ربي يكون صبي”…
و”الصبي” كما تعرفون هو “الشيخ” جورج بوش، كما رسمته – ومن باب التشهير – الصحافة الأميركية الساخرة!
فالعرب البوشيون، كمثل بوش العربي، ليسوا إلا مادة للكاريكاتور قد تثير مع الضحك بعض الشفقة،
وهي شفقة، لا نستطيع “معهم”، أن نرفضها!

Exit mobile version