طلال سلمان

على الطريق الانتخابات لا الجلسة

… ولأن لبنان “بلد بلا داخل” فالانتخابات النيابية فيه – هي الأخرى – ليست شأناً محلياً تماماً، برغم مظاهرها الموغلة في الجهوية والطائفية والمذهبية والعشائرية الخ.
وطريف أن تكون أقوى حجج المعارضين لإجرائها هي تلك المستندة إلى أن واشنطن ليست معها، أو إن باريس ضدها، أو إن الفاتيكان يقول بإرجائها.
بل إن بعض المنادين بالمقاطعة أو بالمعارضة الشعبية الفعالة لم يتورعوا عن التلويح بإمكان الإفادة من الموقف الإسرائيلي كما عبر عنه بعض المتعاونين مع الاحتلال في جنوب الوطن.
طبعاً هذا لا ينطبق على المعارضين جميعاً، وفيهم من يجهر بمعارضته المعللة بالحرص على الوفاق الوطني وعلى سمعة لبنان ومستوى الحياة الديموقراطية فيه، وكذلك بدافع الحرص على سلامة العلاقات اللبنانية – السورية في حاضرها وفي مستقبلها، وهذا هو الأهم.
على أي حال تبقى الانتخابات أهم من جلسة النظر في التعديلات المدخلة على قانونها، وبعضها أعرج، وبعضها الآخر مرتجل، وبعضها الثالث يكاد يعترض عليه واضعه.
الانتخابات هي الموضوع وليست الجلسة، فقد تنجح الجلسة بما يضر موضوع الانتخابات ويسيء إلى صورتها، وهذا ما ينبغي تجنبه بأي ثمن.
والأكثر حرصاً على الانتخابات هو المطالب بأن يبذل المستحيل لعدم تشويه صورتها، والأهم: لعدم تمكين الأطراف الخارجية من استغلالها في ما يؤذي لبنان وسوريا معاً، في هذه اللحظة السياسية الحرجة.
إن جيمس بيكر آت إلى المنطقة غداً لتطمين المتطرفين الإسرائيليين إلى أن وجهة نظرهم لن تهمل نتيجة فشل تجمعهم “الليكود” بقيادة اسحق شامير في الانتخابات، وإن “الانتصار الأميركي” الذي تحقق عبر فوز اسحق رابين وحزبه لن يؤدي إلى سحقهم أو شطبهم من المعادلة السياسية.
وبالمقابل سيحاول وزير الخارجية الأميركية أن يطمئن العرب إلى أن نجاح “رجل أميركا” في إسرائيل لن يؤدي إلى انحياز مطلق إلى المفهوم الإسرائيلي لـ “السلام”، وإن انتهاء سوء التفاهم الذي كان قائماً بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية السابقة لن يدفع ثمنه العرب من أرضهم ومن حقوقهم فيها.
إنها إعادة ترتيب للصفوف وللإدارة على جبهة المفاوضات، وهي بعض أشق أنواع الحرب.
وإذا كان موضوع الانتخابات في لبنان يندرج في سياق هذا الاستعداد لمواجهة ما يدبر للعرب عموماً، وللبنانيين والسوريين خاصة، فحري إذن أن يولى العناية الكافية شكلاً ومضموناً حتى لا يكون كالسلاح الفاسد يؤذي صاحبه ويوفر على الخصم عناء القتال.
إن الانتخابات هي الموضوع لا الجلسة،
ولنتذكر جميعاً أن المطلوب من الانتخاب تعزيز الوفاق الوطني الذي ارتكز إلى الحل العربي (ولو برعاية دولية)، وتجديد الحياة السياسية في لبنان، وتمكين الأكثرية الساحقة من شعبه من المشاركة في الشأن العام ومساعدتها على الخروج من مناخ الحرب الأهلية بكل مفرزاتها الطائفية والمذهبية وكل التراث الميليشياوي – المافياوي الذي طبع تلك المرحلة وما زال يجر ذيوله على الوضع الراهن.
إن كثرة من النواب ستوافق على أي قانون تستشعر أنه قد يضمن العودة إلى المجلس الجديد، في حين أن أبسط الطموح يتمثل في أن يرتاح هؤلاء السادة ويريحوا.
وبهذا المعنى فإن مسؤولية المقاطع أو المعترض أو الغائب لن تكون أقل – بأي حال – من مسؤولية المتغاضي عن التعديل المرتجل، أو المتساهل في الاجراءات المطعون بسلامتها،
إنهما شريكان، بغض النظر عن الذرائع والتبريرات، وعن التباين الظاهري في المواقف،
وليس فخراً أن ينسب المعارض نفسه إلى الدولة الأكبر أو الأقوى، فالمعيار يتصل بسلامة البلاد، شعبها وأرضها، ومن ثم الحياة الديموقراطية في مؤسساتها السياسية.
ولقد تأخر المعترضون كثيراً في إبداء الاعتراض: فمن سلم بمشروعية كل ما تم حتى اليوم، تحت مظلة الطائف أو الحسم العسكري لتمرد الجنرال أو إقرار الإصلاحات الدستورية، وصولاً إلى تعيين النواب الجدد على يد الممددين لأنفسهم، سقط حقه بالموقف المبدئي وغسل اليدين ادعاء للبراءة من دم هذا الصديق.
إنها معركة سياسية، من الدرجة الأولى، والأخلاق عنصر ثانوي جداً في حسابات الدول، فكيف في البلاد البلا دولة لأنها أصلاً بلا داخل؟!

Exit mobile version