طلال سلمان

على الطريق الانتحار بيأس التطرف..

بذريعة اليأس من “العرب” كسر أنور السادات الحاجز النفسي وحطم الهدف المقدس للنضال العربي لأجيال، وركب الطائرة قاصداً العدو الإسرائيلي في القدس المحتلة، أولى القبلتين وثالث الحرمين عند المسلمين، والمدينة ذات القداسة الخاصة عند المسيحيين، أي عند العرب أجمعين.
لم تكن تلك جريمة، كانت أخطر من ذلك بكثير: كانت خطيئة مميتة، سياسياً، وقد دفع السادات حياته ثمناً لها، وإن كانت الخطيئة قد استمرت تلد المزيد من الخطايا وستبقى ولوداً حتى إشعار آخر، وهذه مصر شاهد وشهيد.
وبذريعة اليأس من “العرب”، أقدم صدام حسين على حماقته المدمرة في اجتياح الكويت، متسبباً في نكبة قومية تكاد تكون في نتائجها أخطر من نكبة ضياع فلسطين، إذ أعادت استرهان القرار السياسي العربي وأرض العرب وثرواتهم ومصيرهم حتى إشعار آخر… وهذا العرب بالذات شاهد وشهيد.
ولم تكن تلك جريمة، كانت أخطر من ذلك بكثير: كانت خطيئة مميتة، سيظل العرب يدفعون للتكفير عنها أثماناً قاتلة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وبذريعة اليأس من “العرب” اندفع ياسر عرفات في مغامرة انتحارية أوصلته إلى اتفاق منفرد مع عدوه الإسرائيلي (سابقاً) لا هو “الصلح” ولا هو “الكيان” المجسد “للقرار الوطني المستقل” ولا هو بأي حال “السلام”، بل لعله سيكون أخطر ما أصاب شعب فلسطين في تاريخه المأساوي المكتوب بدماء شهدائه المهدورة عبثاً، كما تدل القراءة الهادئة لذلك الاتفاق البائس وملحقاته المهينة.
ولم تكن تلك جريمة، كانت أخطر من ذلك بكثير: كانت خطيئة مميتة سيدفع الفلسطينيون ثمنها المزيد من دمائهم ومن حقوقهم في أرضهم ومن كرامتهم كبشر وهم يحاولون اصطناع دولة بمقاس أريحا!… وهذه فلسطين كلها بشتاتها وداخلها شاهد وشهيد!
بذريعة اليأس تحاول بعض القوى السياسية التي احترفت التطرف واختصمت مع العقل تفجير لبنان كله، مطبقة سياسة انتحارية معلنة: أما أن تكون السلطة لي أو فلتذهب البلاد، بشعبها ودولتها ومؤسساتها إلى الجحيم.
ومسلسل التفجيرات الذي بدأ قبل مذبحة الأحد في كنيسة سيدة النجاة بذوق مكايل، والذي كان مقدراً له أن ينتهي (؟) في بكركي، يوم أمس الأول (أحد الشعانين) كما تفيد معلومات تلقتها “السفير” من مراسل لها في لندن وتنشرها إلى جانب هذا الكلام، كان تعبيراً دموياً عن اليأس المطلق.
واليأس ليس فقط إحدى الراحتين، ولكنه قد يكون طريق الدمار أو التدمير الشامل، تدمير الذات والآخرين.
وأبرز دليل على تمكن اليأس في نفوس بعض القيادات السياسية لمعسكر “التطرف المسيحي” أو “الأصولية المسيحية” لا يتجلى في مسلسل التفجيرات، ما وقع منها وما كان مقرراً أن يقع، بل هو يتجلى قبل ذلك في العودة إلى شعارات مهجورة كان الناس يفترضون أن تجربة الحرب المرة قد رمتها في مزبلة التاريخ.
وإلا فكيف تفسر عودة هذه القيادات إلى طرح شعارات تقسيمية كالفدرالية؟!
وكيف تقدم “القوات اللبنانية” على الجهر بإحياء تراثها التقسيمي عبر التقدم بطلب خطي لتعديل النظام الأساسي لحزبها فتجعل هدف “نضالها” التأسيس “لجمهورية اتحادية” في لبنان.
وهذا الطلب مسجل رسمياً في وزارة الداخلية وقد نشر نصه في بعض وسائل الأعلام، ولم تنكره قيادة “القوات”.
كذلك فكيف يفسر انقلاب العماد السابق ميشال عون على صورته “كبطل وحدوي”، ومناداته متأخراً بالشعار التقسيمي: الفدرالية.
بعض العائدين من باريس، وبينهم من كانت تجمعه صلة إعجاب وتأييد مطلق لهذا “القائد الاستثنائي” يتحدثون بمرارة غير محدودة عن هوة اليأس التي انزلق إليها ميشال عون والتي بات محاصراً فيها بحيث فقد القدارة على التمييز بين التكتيك السياسي والخطيئة المميتة.
ومن الظلم أن يندفع بعض القادة في مغامرات مجنونة أو في مراهنات هي أقرب إلى المقامرة المحكومة بالخسارة المطلقة، ثم يحملون “الشعب” بمجموعه، بدءاً بجمهورهم المأخوذ بشخصياتهم أو بادعاءاتهم حول قوتهم الأسطورية الموهومة، النتائج الكارثية لخطاياهم وأخطائهم في القراءة أو في الحساب.
إن اليأس هو أقصر طريق للانتحار.
وإذا ما أراد أصحاب المشاريع الوهمية أن يقامروا بالمصير، فإن الرد البديهي عليهم هو نبذهم ونبذ التطرف واليأس والانتحار معهم.
فالحياة رحبة جداً، ويمكن دائماً تصحيح المسار والبدء من جديد في محاولة بناء وطن ودولة على كامل هذه الأرض الصغيرة وبجهود أبنائه جميعاً الذين أثبتوا وبالدم أنهم لا يريدون الحرب ولا يريدون التقسيم ويطلبون الحياة وليس الموت فيه.

Exit mobile version