طلال سلمان

على الطريق الاحتلال جواً من الحدود إلى الحدود؟!

لا حدود للاحتلال الإسرائيلي!
فالطائرات الحربية الإسرائيلية توسع، كل يوم، مدى السيطرة بحيث يتناسب مع مداها!
إنه احتلال من الجو، لكن ظله الأسود بكل التداعيات السياسية المحتملة يغطي الأرض ومن عليها، وينقل “خط النار” من نقاط التماس مع الاحتلال في “الشريط” إلى التخم اللبناني – السوري، أي إلى “الداخل” السوري.
إنه الهجوم الإسرائيلي الشامل وبكل أنواع الأسلحة، وباختراق مباشر وغير قابل للصد لجبهة الخصم، أي للبنان وسوريا فيه وعبره.
فهذا التركيز اليومي في الطلعات الجوية فوق البقاع، آناء الليل وأطراف النهار، بالغارات الفعلية أو الوهمية، وباختراق جدار الصوت كما بالعمليات الخاصة ينفذها رجال كوماندوس أكفاء وحسنو التدريب وواثقون من غياب المواجهة أو الرد… كل ذلك يستهدف الإيحاء بأن خط الدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي يمتد ليغطي آخر موقع للمقاومة، وسواء أكاد مركز تدريب أو إعداد أو تموين للمنذورين للشهادة من أجل التحرير، باسم الله أو باسم الوطن أو باسمهما معاً لا فرق.
إن أفضل خطة للدفاع هي الهجوم، وحماية الإنجاز “العربي” الأخطر، إسرائيلياً، أي اتفاق غزة – أريحا، يتطلب نقل المعركة إلى “الداخل السوري”، أي إلى المدى الحيوي السوري في لبنان، أقرب ما يمكن إلى دمشق ذاتها.لم تعد المسألة حماية الاحتلال في الأرض اللبنانية، أو لحد “اللبناني” ومرتزقته، بل حماية المكسب السياسي الهائل الذي وفره التوقيع الفلسطيني محولاً فدائيي الأمس إلى شرطة لحماية الاحتلال داخل فلسطين، والمنظمة التي كانت ترفع راية التحرير إلى سلطة من المتعاونين في الداخل والخارج… وهذا بيت القصيد!
“الشريط المحتل” كان خط دفاع عن الاحتلال نفسه،
أما في حالة الهجوم فالمطلوب دفع الخصم إلى مواقع دفاعية ضعيفة، وإرهاقه واستنزافه معنوياً بإظهاره عاجزاً عن صد الهجوم فكيف عن تحرير المحتل من أرضه؟!
بالطبع هذا هو الوجه العسكري للهجوم الإسرائيلي، لكنه ليس الأخطر، برغم كل آثاره المدمرة.
الأخطر هو الهجوم السياسي الشامل الذي فرض تعديلاً واضحاً على المسلك الأميركي إزاء “العملية السلمية” عموماً والمسار السوري خصوصاً.
فإسرائيل تتصرف وكأنها تضمن موافقة واشنطن على أن مؤتمر مدريد قد أدى غرضه بالتوقيع الفلسطيني المنفرد، والاتفاق الأردني المنفرد، ولم يعد ثمة مبرر لاستمراره كإطار سياسي وقانوني ومرجعية تختزل الشرعية الدولية، وبالتالي فلم يعد من جدوى لاستمرار المفاوضات الثنائية في واشنطن.
والعروض الأخيرة التي نقلها وزير الخارجية الأميركية من تل أبيب إلى دمشق لم تكن تجسد تحولاً مهماً في الموقف الإسرائيلي، ولكنها كانت تعكس تعديلاً مهماً في الدور الأميركي الذي تقلص من راع للمفاوضات وضامن لإطارها ومرتكزاتها وشريك كامل في المسؤولية عن نتائجها إلى “مجرد وسيط” أو علبة بريد يستخدمها الإسرائيلي وحده!
ثم إن هذا التمدد الإسرائيلي عربياً، وما بين المحيط والخليج، من عُمان – قطر إلى المغرب – تونس، إنما يتم برعاية أميركية كاملة، مكملاً طوق الحصار السياسي حول الموقف السوري – اللبناني، موفراً للهجوم الإسرائيلي العسكري فرصة ثمينة من الصمت الذي يكاد يكون تواطؤاً.
ومن هنا التركيز الإسرائيلي الشديد على البقاع الذي يكاد يصير “جنوباً جديداً”.
فالبقاعيون يدخلون الآن “الحالة الجنوبية” الممتدة فعلياً منذ آذار 1978، أو بالأحرى منذ أواخر الستينيات: بين الغارة والغارة ينتظرون الغارة الثالثة ويحاولون أن يخمنوا موقعها وهدفها المباشر.
وبين الشائعة المدسوسة أو التي يفرّخها الذعر يفتقد الأهالي الأمان الذي كانوا يفترضون أنهم يعيشون في أفيائه “بعيداً” عن مصدر الخطر!
“طالما أنهم جاءوا فتنزهوا في ضهور زحلة، وقطعوا أميالاً بالسيارات أو مشياً على الأقدام، فوق الفرزل – نيحا وتمنمين، ودخلوا عبر الطرق الزراعية بين الكروم في قصرنبا (مثل فلاحيها)، فأخذوا مصطفى الديراني من بيته، إذاً فهم قادرون على الوصول إلى أي كان حيثما كان ومتى شاءوا”.
حدود الاحتلال الإسرائيلي هي – عسكرياً – مدى الطيران الحربي الإسرائيلي،
وهي، في السياسة، مدى التواطؤ الأميركي – الإسرائيلي في محاصرة ما تبقى من “الصمود” العربي،
وآخر أخبار هذا التواطؤ العلني “اتفاق التعاون في مجال تكنولوجيا مكافحة الإرهاب”، الذي قدمته واشنطن للإسرائيليين (فقط!!) تقديراً منها للإنجازات الإسرائيلية التقنية في هذا المجال، وكجزء من “التعويض” عن الانسحاب الإسرائيلي من بعض الأراضي العربية المحتلة!
… وفي انتظار وصول وارن كريستوفر بعروضه الجديدة فمن البديهي أن يمهد لذروة الهجوم السياسي بتصعيد قاس على المستوى العسكري… بين الحدود والحدود، وعلى امتداد “الداخل”، وهو سوري بقدر ما هو لبناني!

Exit mobile version