طلال سلمان

على الطريق استقالة نظام!

أمس، وبلغة عربية فصيحة تنتمي إلى التراث الصلحي، قدم الرئيس تقي الدين الصلح، استقالة يمكن اعتبارها – بلا مبالغة – استقالة طبقته هو ، بكاملها ، وجيله برمته، بل استقالة النظام اللبناني الفريد!
قال تقي الدين الصلح، بجلاء، إنه عمل كل شيء، وأنجز كل شيء، وقام بواجبه على أكمل وجه، وإنه يترك المسؤولية ووضع لبنان واللبنانيين بألف خير…
وليس ذنب تقي الدين الصلح أن تكون الوقائع مغايرة تماماً لتمنياته. فهو قد حاول، واجتهد، سافر واتصل وحاور، وتحدث وخطب وصرح، اجتمع والتقى وحضر مآدب ومؤتمرات وندوات، وعقد جلسات مغلقة وأخرى مفتوحة، مع الأقطاب والأحباب، مع المشايخ والمطارنة والخوارنة وشيوخ العقل، مع العمال والطلاب والسواقين والفعاليات الاقتصادية..
كان ودوداً، دمثاً، لبقاً، طيباً، متفائلاً، مستبشراً،
تفاهم مع الأخوة الفلسطينيين،
ومع الأخوة السوريين،
ومع الأخوة في الخليج،
ومن الأخوة في القاهرة وفي طرابلس،
وأيضاً مع الأخوة في الرياض،
لكن ذلك كله لم يبعد عنه كأس الاستقالة… ولم يبعد عن البلد الجو القلق الذي تعيشه، والجو الأكثر إثارة للقلق والذي يتخوف المواطنون منه، ويشاركهم التخوف المسؤولون كباراً وصغاراً.
وذلك كله لم يساعد على تعزيز حالة الأمن الوطني، فظلت حدودنا مشرعة أمام العدو وأسلحته المختلفة في البر والبحر والجو،
ولم يساعد على ضبط حالة الأمن الداخلي الفالتة، فبقي القتلى يتساقطون صبحاً ومساء، في الشمال والجنوب كما في البقاع والجبل، إضافة إلى بيروت وطرابلس وصيدا وصور.. الخ.
ولم يساعد على تخفيض أسعار الحاجيات الأساسية، فلا يزال المواطن ينوء تحت أثقال الغلاء الفاحش، وأغلب الظن أنه باق.. حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!
ولم يساعد على حسم قضية التعليم الوطني في لبنان، ولا على تأمين المتعلمين من أبناء هذه الأرض التي “تطرطش” الدنيا علماً وبؤساء من حملة الشهادات العالية،
بل إنه لم يساعد حتى على حسم قضية أبسط كثيراً مثل تعديل المادة 50 من قانون العمل، بحيث يتوفر للعمال الحد الأدنى من الضمانات في وجه التسريح الكيفي،
… إلى آخر لائحة المطالب والأماني الوطنية التي باتت أبدية أو تكاد!
وهكذا فإن استقالة الصلح هي أشبه بشهادة عجز صريحة عن مواجهة ما كان فبقي، وما استجد من قضايا ومشاكل فلبث ينتظر القادر على الحل والحسم والقرار – العلاج.
وربما لهذا السبب تبهت أسماء المرشحين لخلافة الصلح، وتبدو مرفوضة سلفاً أنماط الحكومات التقليدية التي ورث منها الصلح كثيراً من المشاكل التي أسقطته، والتي سيجدها خلفه أمامه تنتظر “فرصة شرعية” لإسقاطه.
فأمام مشاكل هي من طبيعة النظام ستظل رموز النظام عاجزة عن الحسم، يستوي في ذلك كل من تعاقب على الرئاسات من رياض الصلح إلى تقي الدين الصلح… وقد شاءت المصادفات أن يستقيلا في يوم واحد، وللأسباب ذاتها، مع فارق التطور الذي أصاب اللغة السياسية خلال ربع القرن الأخير!

Exit mobile version