طلال سلمان

على الطريق استدراكات على هامش التفاؤل!

جاءنا فيليب حبيب من عند الإسرائيليين قبل أيام ثلاثة مطارداً بحملة تصعيد وابتزاز شاملة استخدمت فيها حكومة بيغن صقورها الحاضرين أو العائدين (مثل موشى أرينز)، وكذلك بعض أوراقها وأدواتها المحليين مثل سعد حداد في الجنوب ومن تبقى من الشارونيين في بيروت.
وكان لا بد من ملاحظة تزامن تلك الحملة مع انتهاء “إقامة” فيليب الطويلة لدى الإسرائيليين، وهي إقامة بدأت مع تبديل موقع شارون في الحكومة وانتهت عشية وصول أرينز من واشنطن ليكمل ناموس الصقر السمين في وزارة الحرب الإسرائيلية.
وها هو فيليب حبيب يعود من عندنا بعد “أيام أميركية طويلة” أمضاها مع كبار المسؤولين فتتلقاه إسرائيل بتصريحات متفائلة تبشر بحل قريب واتفاق شامل بتنا منه قاب قوسين أو أدنى، وانسحاب لم يعد ينقص إتمامه غير بعض التفاصيل الغنية!
فماذا عدا مما بدا حتى تبدل الجو من “عاصف” و”مثلج على “صحو تتخلله بعض الغيوم العابرة”؟!
وأين وقع التبدل تماماً: في موقف من ؟! في موقف فيليب حبيب ومن خلفه ريغان وإدارته، أم في موقف لبنان، أم في الموقف الإسرائيلي ذاته؟!
من بدل موقفه ولماذا: لبنان الضحية، أم المحتل الإسرائيلي، أم الوسيط الأميركي الذي نريده شريكاً كاملاً ويريده الإسرائيليون مجرد شاهد إثبات ويرفضون اعتباره طرفاً ثالثاً في الاتفاق العتيد مع لبنان؟
إنها قضية تحتاج إلى كثير من التدقيق في غياب المعلومامت الأكيدة والثابتة والتي يمكن الركون إليها في تحليل المواقف لفرز ما هو “مناورة” عما هو “واقعة ملموسة”.
في انتظار أن تثبت الرؤية ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ثمة مجموعة من الاستدراكات تظل ضرورية، كائنة ما كانت أسباب التبدل ومواقعه أو مداه.
بين هذه الاستدراكات:
1 – مهما بلغت ثقتنا في الأميركي فلا يجوز أن يبدو اتفاقنا معه، إن كان ثمة اتفاق جدي، وكأنه “تواطؤ” على السوري. فيذهب فيليب حبيب – مثلاً – إلى دمشق مستقوياً عليها بلبنان، في حين إن ما كان مطلوباً منه أن يزود لبنان بموقف أميركي صلب يقوينا على الطرف الإسرائيلي.
فالمفروض إننا استنجدنا بالأميركي ليعيننا على الإسرائيلي وليس على السوري، ولا يجوز أن تتبدل أسباب الاستنجاد الآن، وفي ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
2 – نحن نعرف إن ثمة مشكلة بالغة التعقيد بين الأميركي والسوري، وليس من مصلحتنا أن تضيع قضيتنا في ثنايا تلك المشكلة، هذا إذا سلمنا جدلاً بأنه يجوز لنا أن نكون “محايدين” أو أقرب – ولو في الوهم – إلى الأميركي منا إلى طرف عربي، وإلى سوريا على وجه التحديد.
إن ما بيننا وبين سوريا نحله مباشرة مع سوريا، مهما كانت الصعوبات ومهما تطلب من صبر ومن جهود.
أما ما بيننا وبين إسرائيل فلا يمكن أن نحله مباشرة وإلا وقعنا في محظور السادات، ومن هنا إلحاحنا على الدور الأميركي كشريك في المفاوضات ثم كمسؤول عن النتائج إضافة إلى دوره كضامن لها، بوصفه “المركز” بالنسبة لـ “الطرف” الإسرائيلي، كما بوصفه “زعيم العالم الحر” الذي يباهي النظام اللبناني بانتمائه إليه.
وإذا كان من حقنا أن نطالب بعض أخوتنا العرب بأن لا يتركوا الإسرائيلي يبدو وكأنه “أكرم” على لبنان منهم، فلا يجوز – بالمقابل – أن يظهر اللبناني وكأنه قادر على التفاهم مع الأميركي ومع الأوروي ومع أمم الأرض جميعاً، بمن فيها الإسرائيلي، إلا العرب.
3 – في الجو نذرحرب قريبة، البعض يصنفها في خانة “ضربة إسرائيلية لسوريا” ، والبعض يراها “حرباً وقائية أميركية ضد عودة السوفيات إلى المنطقة أو ضد ما تبقى من وجودهم فيها”، وقلة تراها محاولة عربية تقودها سوريا لإعادة الاعتبار إلى الجندي العربي والإنسان العربي بعد هزيمة بيروت، بالاستناد طبعاً وبالاعتماد على موقف سوفياتي مختلف نوعياً عكس نفسه عبر السلاح النوعي الجديد الذي زود به الجيش السوري.
وبغض النظر عن تبريرات أو تفسيرات جو الحرب السائد، فما يجب التشديد عليه:
*لا يجوز أن يبدو لبنان وكأنه ذاهب إلى الصلح المنفرد عبر المعاهدة أو التطبيع أو ما شابه بينما سوريا ذاهبة إلى الحرب.
*وإذا ما كانت إسرائيل هي الذاهبة إلى الحرب ضد سوريا يتحول “غير الجائز” إلى “محرم”.
صحيح إن لبنان أضعف من أن يكون طرفاص في حرب، لاسيما في أوضاعه الراهنة، لكن بعض أنماط الخروج من الحرب على جبهة واحدة تفتح المجال فسيحاً لحروب لا تنتهي وعلى جبهات متعددة… وها هي مصر حسني مبارك تواصل مرغمة الحروب التي أدخلها فيها السادات بتوهمه إنه صنع سلاماً خاصاً بإنهاء الحرب مع الإسرائيليين فإذا “بسلامه” يقتله في غياب فرص السلام الحقيقي… والسلام لا يكون حقيقياً إلا إذا كان شاملاً، وإلا إذا شارك فيه – بشكل خاص – السوري والفلسطيني.. (وحتى الأردني) معززين بتأييد سائر العرب وموافقتهم.
4 – يستطيع لبنان الضعيف كطرف محارب ومن واجبه، أن يستفيد من جو الحرب التي قد تغني عن الحرب، عليه أن يوظف هذا الجو لحسابه، خصوصاً وإن القوتين الأعظم معنيتان بها وموجودتان فيها بشكل مباشر لا لبس فيه ولا ابهام.
وبهذا المعنى تزداد خطورة الاتفاق مع الأميركي بمعزل عن أو من وراء ظهر السوري ومعه بقية العرب.
إن مثل هذا الاتفاق من شأنه أن يدخل لبنان بنداً في صفقة أكبر، ويوقعه في المحظور الذي يحاول الهرب منه: إذ يعيد ربط “أزمته” الخاصة بالأزمة العامة في المنطقة.
وحتى لو وقعت الحرب فمن واجب لبنان أن يحتفظ بقدرة تمكنه من استثمار نتائجها، فلا يكون تورط قبلها بما يحرمه من ثمار أي “تعادل” فيها، هذا إذا سلمنا جدلاً بأن النصر العسكري الإسرائيلي على العرب قدر لا مهرب منه ولا مفر حتى لو قاتل معهم الأنس والجن.
أما في حال هزيمة الطرف العربي في مثل هذه الحرب المتوقعة فلن يتبدل حالنا البائس كثيراً، لأن إسرائيل تتصرف حالياً وفعلياً وكأنها هزمت العرب جميعاً في آخر حروبها معهم.
5 – لا يجوز أن تتسلح إسرائيل الذاهبة إلى الحرب مع سوريا باتفاق مع لبنان ستوظفه بالتأكيد كأقوى سلاح في حربها ضد أشقائنا، تماماً كما تسلحت باتفاقها مع مصر السادات لتضم الجولان ولتدمير المفاعل الذري في العراق وتصادر ما تبقى من أرض الضفة الغربية ولتجتاح لبنان ولتضرب المقاومة الفلسطينية وشطبها من معادلات الصراع في المنطقة.
لقد كانت اتفاقات كامب ديفيد التي أخرجت مصر من ساحة العمل العربي، أقوى فعالية في يد الإسرائيليين من طائرات أف – 15 وأف – 16 ودبابات “ميركافا” والقنابل الانشطارية والعنقودية وغير ذلك مما يسرته لها الجبخانة الأميركية.
لقد خسرنا “سلام الحرب” بالاحتلال الإسرائيلي.
فلنحرض على ألا نخسر “حرب السلام” بعداوة مع العرب لن تنفعنا في كثير أو قليل لا في علاقتنا مع الإسرائيلي، ولا خاصة مع الأميركي الذي ينظرإلينا وعبرنا فيرى مصالحه وهي تتجاوز حدودنا إلى البعيد البعيد.

Exit mobile version