طلال سلمان

على الطريق استثماراً لفرص الاستثمار!

أمر مفرح أن يتكرر فتح قاعات الشرف في مطار بيروت لضيوف من طبيعة مختلفة عن الذين الفنا فتحها، وأن يعود إلينا من غاب عنا نحو عقدين من الزمان،
وسواء أكان هؤلاء “العائدون” من الضيوف الأجانب ذوي المكانة كجاك شيرا، أو من الأخوة – الأغنياء كالذين احتشدوا في مؤتمر “فرص الاستثمار” خلال اليومين الماضيين، فعلى الرحب والسعة، وأهلاً وسهلاً بالزوار مهما كانوا كثراً!
ولا باس إن شنقت آذان اللبنانيين صافرات المواكب الصاخبة لهؤلاء الضيوف الذين يؤكدون بحضورهم “عودة الروح” إلى لبنان، واحتمال عودته إلى دوره المفتقد، بعدما صمت آذانهم وخلال عقدين من الزمان تقريباً صافرات سيارات الإسعاف الإطفاء، أ و مو اكب قادة الحرب، وهي تخطر حاملة معها الإنذار بالموت والدمار إلى من بقي حياً في بيروت وسائر المناطق.
جميل أن ننتقل من حال إلى حال، وأن تتبدل مواضيع الأحاديث عما كان من المنغصبات إلى المأول من أسباب الحياة.
ولا بأس من التسامح والتغاضي عن بعض الهنات والهيئات التي رافقت وترافق زيارات الزائرين فتحولها إلى ما يشبه الاستعراضات أو المهرجانات الفولكلورية التي تنتهي آثارها مع إسدال الستارة على مشهدها الأخير.
بهذا المعنى فلا بأس أن يكون المؤتمر الأول لرجال المال والأعمال العرب، الآتين بكامل قيافتهم (العباءة والكوفية والعقال)، وهي المطلوبة والمرغوبة تعزيزاً لصدق النية، قد تركز على “فرص الاستثمار” أكثر مما اهتم بالاعمار، وهو مطلع عنوانه والهدف المنشود من عقده.
لا بأس أن يجيء الأخوة – الإنياء من أجل فرص أفضل لربح مؤكد وسريع ومضمون.
لكن من حق اللبنانيين على دولتهم أن ترشد هؤلاء القادمين إلينا من أجل أن يكون للبلاد مثل مالهم من النفع، وأن تستقر أموالهم المستثمرة هنا بدل أن تجيء عابرة ثم تحمل معها ما تيسر من الربح لتستقر من بعد في مصارف أجنبية أو في استثمارات في ديار الغربة البعيدة.
ومن حق اللبنانيين على المتمولين منهم، وسواء أكانوا صناعيين أم تجاراً أم مصرفيين أم رجال أعمال ينشطون في مجالات متعددة من بينها المقاولات، أن يكونوا رحيمين ببلادهم، فلا يغروا أصدقاءهم وزملاءهم ونظراءهم وشركاءهم الآتين إليهم، بأن يجيئوا ليقتسموا معهم ربحاً مضموناً، على حساب لبنان دولة وشعباً.
وبصراحة يمكن القول إنه لا بد من توفير مجالات أخرى للاستثمار غير العقار، سواء أكان أرض فضاء أم عمارات أم مجمعات سياحية.
فإن يقتصر الاستثمار على العقار ليس خدمة للبنان وللبنانيين، وهو لا يخفف من آثار الحرب ونكباتها، بل هو يزيد من أثقالها ومن ضرائبها المنهكة.
إن الأخوة –الأغنياء القادمين يعرفون الحقيقة البسيطة القائلة إن الساحل اللبناني بالمرتفعات الجبلية المطلة عليه، هو أجمل بقعة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وهو في الوقت نفسه أفضل الاستثمارات إطلاقاً إذ أنها أعظمها ربحية وأسرعها حركة.
ومعظم هؤلاء الأخوة – الأغنياء قد جربوا الاستثمار في بعض أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية، وتحققوا – بالملموس – من أنهم لا يستطيعون أن “يعيشوا” هناك، ولا أن يحتفظوا بما يتحقق لهم من أرباح إذ تلتهمها الضرائب التي لا تهاون في تحصيلها ولا مجال للتهرب “شرعياً” من دفعها.
كذلك فمعظم هؤلاء الأخوة – الأغنياء يدركون جيداً الآن وبعد تجربة مريرة، أن لا بديل من لبنان كمقر إقامة ثان لهم ولأسرهم. فهو هنا يكونون بين أهلها ويتمتعون بتسهيلات غير محدودة وفي مختلف المجالات.
والمهم إرساء قواعد متوازنة للعلاقة بحيث يعطون لبنان، أو يعوضونه بعض ما ييسره لهم من فرص الربح.
بمعنى أن يوظفوا في مجالات الإنتاج فيه بعض مالهم، إلى جانب البعض الآخر الذي يمكن أن يوظفوه في مجال العقار، ومن ثم المضاربة بالعقار، وعلى طريقة المضاربة بالدولار، مع بدايات الانهيار في سعر صرف الليرة اللبنانية.
إن لبنان بحاجة إلى المال العربي، رسمياً كان أو فردياً.
ولبنان بحاجة إلى المستثمرين.
وبناء الفنادق والقصور والمجمعات السياحية أمور حيوية، وستكون موضع ترحيب بطبيعة الحال حيثما شيدت.
لكن لبنان يحتاج إلى غير ذلك أيضاً.
وله على المتمولين من أبنائه، بداية، كما على أخوته – الأغنياء أن يثبتوا اهتمامهم بمسقبله ومستقبل أجياله الآتين.
… خصوصاً وإن التحديات آتية لا ريب فيها، مع مشاريع “السلام” التي سترفع مستوى المواجهة بين العرب وإسرائيل، التي لن تتبدل طبيعتها كعدو.
وبديهي أن لبنان سيكون إحدى أهم ساحات المواجهة تلك، وبالسلاح الاقتصادي وبين عدته الاستثمارات ووسائل الإنتاج.
وهو سيكون فيها، مرة أخرى، مواجهاً باسم كل العرب، ونيابة عن كل العرب.
والاستثمار يكتسب، لهذا كله، وظيفة تتعدى معدلات الربح، وتتجاوز بالضرورة المستوى الفردي.
فلتكن فرصة للبنان، وللعرب مجتمعين، إذاً، وليس مجرد فرصة لبعض المتمولين كي يزيدوا أرصدتهم الدسمة.
… هذا مع تمني الخير للأخوة – الأغنياء، فهم على الرحب والسعة متى جاءوا وحيثما حلوا، وكائنة ما كانت نسب أرباحهم في البلد الذي كاد يلغي آخر ضريبة من أجل أن يستقبلهم بغير منغصات!

Exit mobile version