طلال سلمان

على الطريق ارهاب من؟

عندما تشترط الكتائب أن تعود إلى الحكومة الجديدة لتحتل موقعها ذاته في الحكومة السابقة، فمعنى ذلك إنها تريد من الناس – كل الناس – أن يعطوها “صك براءة” و”شهادة حسن سلوك” نظيفة من الدماء التي أريقت منذ مذبحة عين الرمانة في 13 نيسان الماضي وحتى يومنا هذا، وربما الغد وبعد الغد،
وعندما يتضامن الآخرون مع الكتائب في هذا الشرط فإنهم يمارسون بالفعل لا بالقبل، إرهاباً نفسياً على المواطن الطيب الصابر على الجوع منذ أربعين يوماً أو يزيد، إذ يضعونه أمام خيار محدد: المزيد من الموت والدمار والرعب، أو عودة الحال – سياسياً – إلى سابق العهد وكأن شيئاً لم يكن.
حتى لو استبعدنا للحظة أشباح الذين ماتوا، والذين جرحوا، والذين اختطفوا وعذبوا عذاباً أبشع من الموت، والذين أهينوا في كراماتهم، والذين حقرت مواطنيتهم،
وحتى لو جهلنا الفاعل تماماً فافترضنا أنه الشيطان، أو إسرائيل، أو حتى “الطليان” الذين تعود الساسة اللبنانيون أن يتهموهم بكل شيء تظرفاً منهم وتلطفاً وابتعاداً عن “إثارة الحساسيات”،
حتى لو فعلنا هذا وذاك تبقى حقيقة دامغة وهي إن الكتائب قالت وتقول بالفم الملآن إنها توقف النار وتطلقها، وإنها اشتبكت وفكت الاشتباك، وإنها – باختصار – طرف أساسي في “النزاع”، وإنها، أخيراً، التنظيم السياسي الوحيد في لبنان الذي يقول – من الشارع – هذا الكلام.
إذن، ما علاقة “المتضامنين” وعلى ماذا يتضامنون مع الكتائب؟
هل الكتائب طرف متضرر، ومن أضار الكتائب؟ واستطراداً: إذا كانت الكتائب قد أضيرت فلماذا وأين وكيف؟
إن هذا التضامن لا يعني، عملياً، غير أمور محددة تماماً ومفجعة بدلالاتها، منها:
أولاً – إنه تضامن بوجه المطالب الإسلامية في صيغتها الأنقى والأرقى وطنياً.
ومن شأن هذا التضامنن وربما من أهدافه، أن يسحب الصفة الوطنية عن هذه المطالب ليدمغها بالطائفية وعند ذلك يبدأ تنفيذها من داخل منطق الكوتا الطائفية التي يجعلونها أساساً للوحدة الوطنية بمفهومها الشكلي والإنشائي السائد.
ثانياً – إنه تضامن بوجه الحركة الوطنية في لبنان، وبالتحديد بوجه التيارات والتوجهات الوطنية في الأوساط المسيحية، وهي تيارات تتنامى وتزداد قوة وجماهيرية يوماً بعد يوم مع تنامي الوعي الطبقي بتأثير الحاجة على العمل والقوت والعيش الكريم.
ثالثاً – إنه تضامن بوجه حركة المقاومة الفلسطينية مهما أضفي عليه من إصباغ مغرقة في محليتها، للتمويه وللتضليل ولإخراج المقاومة من دائرة اللعبة المحلية السخيفة.
رابعاً – إنه تضامن مع التهديدات الأجنبية للبنان وللمقاومة الفلسطينية فيه، والتي كان آخرها وأوضحها الكلام الذي “سرب” من طائرة هنري كيسنجر.
إن رشيد كرامي اليوم هو نفسه رشيد كرامي الأمس الذي يعرف الكتائبيون والمتضامنون معهم إنه ليس عدو النظام القائم، وليس بين العاملين لإسقاطه وتغييره، وليس نصير “اليسار المتطرف.. اليسار الهدام”.
إنه رشيد كرامي ذاته، وربما لتأكيد هذه الحقيقة ضد كرامي إلى القصر – ليبلغ التكليف – في سيارة نجل الشيخ بطرس الخوري: الرمز البشري الأكثر تجسيداً لمصالح أهل النظام والمنتفعين به.
وبهذا المعنى، ولأن الإرهاب لن ينفع لا مع الحركة الوطنية ولا مع أصحاب المصلحة في تحقيق المطالب، ولا خاصة مع المقاومة الفلسطينية، فإن المستهدف الأول – الآن – هو دولة الرئيس المكلف.
وعليه، شخصياً، أن يرد على الإرهاب،
أما الأطراف الأخرى المعنية فردها جاهز ومعروف… بشهادة الدماء التي لا تزال تغطي الشوارع!

Exit mobile version