طلال سلمان

على الطريق ارهاب “القديس”!

“أنت القديس شربل الجديد! أنت السيدة العذراء! أنت المسيح! أنت القربان، أنت روح القدس! وأنا جايي حتى أقبل الكرسي التي تجلس عليها… اعطني يدك لأقبلها”.
… ولما تعذر على المنافق الشديد الايمان أن يقبل يد السيد المحرر اكتفى بأن قبل طرف البزة العسكرية المرقطة!
أما الأعظم إيماناً بالقديس الجديد فكانوا يجوبون شوارع “الشرقية” ناشرين جواً من الذعر، حتى إذا ما وصلوا إلى بيت واحد من النواب الثلاثة والعشرين رفعوا الصوت بهتاف الاتهام بالخيانة، واندفع “الكتيبة” أصحاب “الخط الحلو” إلى الحائط فطرشوه بالافتراءات والتهديد بالموت الزؤام!
بين “الايمان” و”التهديد بهدر الدم” والتلويح بالاقتصاص من “بيلاطس البنطي العصر الحديث” خيط رفيع.
ولقد انقطع هذا الخيط أو كاد حين قصد المؤمنون المقر البطريركي في بكركي ليهتفوا ضد جهده من أجل التهدئة والاعتدال وإعلاء صوت العقل، وحين صفروا ليقاطعوا خطاب البطريرك صفير، وهم الذين تعودوا أن يجيئوه وقد سبقهم حداؤهم: “نحن رجال رجال الدين نحن رجالك يا بطرك”.
… وهذا منطقي، فإذا كان السيد المسيح، أو السيدة العذراء، أو روح القدس، قد هبط من أعالي السماء ليحط في قصر الموت الجمهوري المهجور، فإن الذي في بكركي منتحل صفة أو من أهل الضلال ولا بد من هدايته!
“السيد المسيح” دفعة واحدة؟!
هذا كثير على “الضابط الصغير”، المبتسم للنفاق، المستمتع بما يشنف آذانه من دجل رخيص، بينما حراسه يسترون عليه بالسترة الواقية من الرصاص!!
وهذا كثير على لبنان واللبنانيين، المسيحيين منهم والمسلمين،
“السيد المسيح” هو؟! والبطريرك الماروني متهم في مسيحيته، فهو الآن “علي صفير”!! والنواب يصنفون لصوصاً ويتهمون في وطنيتهم لمجرد إنهم قالوا: فلننقذ وطننا بمناطقه جميعاً وبأهله جميعاً، ولنعمل العقل لاكتشاف سبل الخلاص من غير أن نبيد اللبنانيين وندمر ما تبقى من هذه البلاد الجميلة!!
الغوغاء في الشارع تمارس الارهاب المكشوف، “وقائد مسيرة التحرير” يحرضهم ضد آخر رموز الشرعية، ولو بقوة الاستمرار، ثم يخطب عن الديموقراطية والحريات وإرادة الشعب المجسدة فيه ويطالب قيادة “العالم الحر” بالاستقالة لأنها لم تشاركه في حربه ضد معارضيه والمعترضين عليه داخل لنبان وخارجه.
“السيد المسيح” هو؟!
عفوك أيها السيد! لقد تجرأوا على كل ما هو مقدس في الأرض، وها هم الآن يتجرأون عليك وعلى المقدسات في السماء!
عفوك يا عيسى بن مريم، يا نفحة من روح الله… ولكن مسيرة التحرير تشمل، فيما يبدو، السماء أيضاً حين المجد ليكون من بعد سلام “الضابط الصغير” على الأرض!
إذن فلوقف اطلاق النار سبب وجيه هو: الاحتفال بتكريس ميشال عون قديساً!
الآن فهمنا وعرفنا ما كنا نجهل، ذلك إننا كنا نبحت فلا نجد سبباً لوقف اطلاق النار طالما “الضابط الصغير” يغتصب الرئاسة ويحتل قصر موتها الجمهوري المهجور في بعبدا.
إذن فاطلاق النار ووقفها رهن بمزاج “الضابط الصغير” المتمترس في الطابق الثاني تحت القصر متفرغاً لقيادة مسيرة تحرير لبنان من مدنه وسكانها ومرافقها العامة والخاصة.
إن هو أراد أشعلها جحيماً ضد المعترضين على استمراره في موقعه حائلاً دون الانتخابات الرئاسية وملء الشغور في قمة السلطة في الجمهورية اللبنانية وبعث هيكلية الدولة ومؤسساتها على قاعدة إنجاز الاصلاح السياسي الضروري لوجوه الخلل الفاضح في نظامها الفريد.
وإن هو رغب أوقف القصف محاولاً ابتزاز موقف سياسي مؤيد بالضغط على المرجعيات الروحية والنيابية، فإذا فشل في الابتزاز، لجأ إلى الارهاب المباشر فأنكر على البطريرك تمثيله للموارنة وعلى النواب تمثيلهم للشعب، ثم أطلق عليهم “التظاهرات العشوائية” توجه إليهم الاهانات والشتائم والتهم الخطيرة وتنذرهم بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هم لم يتبنوا معركته الرئاسية تحت شعار “التحرير” ولم يسلموه قيادهم ليخوض بهم حرب الانتحار الجماعي!
ماذا يراد من أدلة أسطع وضوحاً على أن العماد هو الذي يبدأ اطلاق النار، فإذا ما توقف عن اطلاقها توقفت؟!
العماد هو النار تحرق بيروت ومن فيها، تحرق الجبل بساحله ومتنيه والشوف، تحرق البقاع الأوسط والبقاع الشمالي حتى حدود بعلبك،
العماد هو الحرب. العماد هو الموت والدمار وهو هو مانع الوفاق والاتفاق ولو على هدنة طالما تعذرت صياغة الحل النهائي المرتجى.
العماد يخوضها الآن حرباً ضد الموارنة خصوصاً والمسيحيين عموماًز
وهو من بعد سيعود إلى إنجاز تأديب اللبنانيين الآخرين.
ولسوف تعود مدافعه إلى دك دار الفتوى ومناطق عائشة بكار والظريف والزيدانية وكركول الدروز والحمراء والروشة وتلة الخياط، ونزولاً في شارع بشير القصار حتى فردان والرملة البيضاء حتى فندق السمرلاند المثخن جراحاً نازفة… بل هو سيستدرك ما فاته من شوارع وأحياء وأزقة وزواريب لم تنل حصتها من “الترياق” الثقيل في القصف السابق.
فالعماد يبقى بالحرب ويزول بزوالها،
وهو يقولها علناً: لا الشعب معه ولا الدول. لا الطائفة العظمى تؤيده ولا سائر الطوائف. لا العرب يساندونه ولا الغرب، ولا الشرق بطبيعة الحال.
فكيف تراه سيوقف الحرب التي هي علة وجوده؟!
فبديل الحرب الحوار. الحوار مع الذات في الداخل، والحوار مع الشقيق والجار للتفاهم على صيغة علاقات المستقبل بين الدولتين التوأمين والحوار مع العالم من أجل إجلاء الاحتلال الإسرائيل… وعبر هذا كله وفي ظله ترميم النظام بالاصلاح السياسي، وترميم الدولة بانتخابات تحيي مجلس النواب وتستولد رئيساً للجمهورية ورئيساً لحكومة اتحاد وطني قادرة على مباشرة مهمات صنع السلام الوطني.
والجنرال لا يحب الحوار.
الجنرال يحب الحرب. الجنرال هو الحرب. الحرب على الذات وعلى الأقربين،
لذا فالجنرال يناصر كل المنتفعين بالحرب ويعتمد على “ذكائهم” وعلى أدوارهم المكملة لمهمته التدميرية والمبررة له.
والجنرال يطلب من هؤلاء العون. عون على عون، من أجل الحرب، من أجل الفناء.
عشتم وعاش لبنان!

Exit mobile version