طلال سلمان

على الطريق اتفاق اللا بديل!

… والاتفاق على “الاتفاق” شامل،
فياسر عرفات يبادر من يحاول مناقشته، من داخل فتح أو المنظمة أو التنظيمات الفلسطينية الأخرى، أو من “الخارج” العربي: – هل لديك بديل؟! إن لم يكن لديك بديل فما جدوى النقاش في ما لا بد منه؟!
وشيمون بيريز “أفحم” المعارضة في الكنيست الإسرائيلي ، قبيل التصويت على الاتفاق، أمس، حين توجه إليهم يسألهم: – ما هو البديل؟! لقد أنهينا الصراع، فهل كنتم تريدون استمرار الصراع إلى الأبد؟! وهل كان يمكننا أن نستمر في القيام بدور الشرطة في غزة؟! ولكننا لسنا رجال شرطة عاديين.. لأن شعبنا يقوم بدور الشرطي على شعب آخر!!.
منطقياً، كان يفترض أن يكون انعدام أو غياب “البديل” عند الإسرائيلي هو بذاته “البديل” بالنسبة للفلسطيني،
لكن ذلك من تراث الماضي، حيث كان الصراع هو البديل.
ويبدو أن “الشرطي” و”ضحيته” قد وصلا إلى الدرجة ذاتها من التعب فقررا معاً أن ينهيا الصراع، بينما الصراع هو شرط حياة الضحية في حين أنه مصدر قلق “الشرطي” على حياته ووجوده، أو هكذا يفترض أن يكون.
إذن هو “الاتفاق” الذي لا بديل له أو عنه أو منه.
والتداعيات لا تتوقف عند مشاعر الفلسطيني الذي يريد أن يخلص من الإسرائيلي، أو الإسرائيلي الذي يريد أن ينتهي من الفلسطيني، بل هي تشمل معظم العرب الذين يريدون أن ينتهوا أو يتخففوا من الصراع ذاته وبأي ثمن، مفترضين إن انهاءه – وبأي شكل – يفتح أمامهم أبواب الجنة!
ربما لهذا تنفس الجميع الصعداء، وأطلقوا العنان لأوهامهم وأحلام اليقظة فرأوا في “الاتفاق” ما ليس فيه وما لا يمكن أن يكون بين مقاصد واضعيه أو رعاته وحماته والعاملين الآن على حقنه ببضعة مليارات من الدولارات – ولو على مراحل – حتى يقف على قدميه.
المتعب من نظامه رأى في “الاتفاق” ما يسمح له بأن يحكم “بسقوط” النظام القائم على أسطورة تحرير فلسطين أو التصدي لإسرائيل، أمالانتفاء الحاجة إليه وإما لفقدانه مبررات وجوده،
والمتضور جوعاً في ظل نظام عاجز عن إطعامه ولكنه شديد في قمعه، توهم إن “الاتفاق” سيجيئه بالخبز (ولو في غياب الكرامة) طالما أن المليارات ستأتي معه فتنصر خيراتها على ملايين الفقراء الذين يتفجرون بالسخط انتحاراً لضيق ذات اليد.
ومتشهي الديمقراطية، المحروم منها والمتطلع إليها كافية عزيزة المنال أو كامتياز للأجنبي، واستطراداً للإسرائيلي، يتوهم أو يحب أن يتوهم إن “الاتفاق” وقد جاءه من “الغرب” و”كإنجاز غربي خالص” سيحمل معه بعض ما يتمتع به الغربيون وبالذات تلك الديمقراطية التي يتفرج عليها في التلفزيون أو يقرأ عنها باللغات الأعجمية!
والمبهور بالنموذج الإسرائيلي للتقدم والتحضر والتفوق والانصهار المجتمعي، حيث الإبداع والابتكار والمساهمة في إنتاج أرفع أنواع التكنولوجيا، يتوهم أنه سيأخذ عن هذا “الطليعي” ما توصل إليه بالعلم والكفاءة الأسطورية من أسباب المنعة والرقي، مثل القنابل النووية وصناعة الطائرات الحربية وتطوير استخدامات الكومبيوتر واستنبات التفاح في الصحراء واستيلاد عشرين موسم قمح سنوياً وعشرة مواسم برتقال واكتشاف “الفيروس” ومعالجة العقم وزرع القضاء بطيخاً واكي دنيا!
أما المشدوه بالجبروت الأميركي والمستسلم سلفاً لمطالبه ومصالحه والأخذ عنه بغير طلب إضافته الهائلة إلى الفكر الإنساني كالهبرغر والبيبس كولا والسي. آي. ايه ومايكل جاكسون، فإنه يفترض أنه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذاته كإنسان، يستطيع بقوة “صوته” أن يرفع إلى سدة الرئاسة ممثلاً فاشلاً كرونالد ريغان أو مختاراً لبلدة نائية مثل بيل كلينتون!
كل رأى في “الاتفاق” ما يطلبه أو ما يطمح إليه، ولا يهم أن يكون ذلك كله ضرباً من الوهم طالما أن الواقع يرميك في الوهم ثم تتمنى أن ينساك فيه!
“الاتفاق” هو البديل عن … الأمر الواقع القائم!
وأبلغ حجة لمؤيدي هذا الاتفاق إنه “مخرج النجاة” أو لعله يكون مخرج النجاة مما هم فيه.
الكل يريد أن “يخرج” من حيث هو ولو إلى المجهول،
وكلما ازداد غموض ذلك المجهول، وتكاثفت الالتباسات فيه، تزايد اطمئنان الهاربين من المعلوم… حيث لا مجال لأي التباس!
إنه اتفاق اليائسين… أو لعله “استراحة” لليائسين، كتلك الراحة بين خازوقين،
ربما لهذا يكاد يتعادل عدد الهاربين من الاتفاق مع عدد الهاربين إليه!
والحمد لله من قبل ومن بعد، والحمد لله على كل حال، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه”!

Exit mobile version