طلال سلمان

على الطريق اتفاق العجز والقهر

بتواضع المهزومين سنتجاوز موقف الرفض المبدئي لأي “اتفاق” مع العدو الإسرائيلي لنناقش بالتحديد هذا الاتفاق الذي سيوقعه لبنان اليوم مع المحتل، مناقشة بحت عملية، متناسين للحظة إنه – بالقهر – فرض علينا، وإننا – بالقهر – سنتعاطى مع نتائجه الخطيرة.
ونبدأ بالقول إن مثل هذه المناقشة ما كانت لتجوز لو إن الاتفاق يؤدي فوراً وبطريقة آلية إلى انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب ومعظم الجبل وبعض البقاع، فليس أعز على قلب أي لبناني (وأي عربي بالتالي) من ساعة عودة لبنان سالماً إلى بنيه وعودة دولته وسيادته واستقلاله إلى كامل ترابه الوطني.
إن مبرر المناقشة ومنطلقها إن الاتفاق شيء والانسحاب شيء آخر مختلف تماماً، وإن هذا الانسحاب ليس بأي حال نتيجة أوتوماتيكية حتمية ومضمونة للاتفاق، برغم وجود توقيع الولايات المتحدة الاميركية كطرف ثالث (والبعض يقول: كضامن) على الصك العتيد وباللغات الأربع التي كتب بها.
فحسب ما فهمنا من النص كما من الشروحات التي قدمها وزير الخارجية وبعض المسؤولين الآخرين، فإن المسافة ما بين التوقيع على الاتفاق وتنفيذ مضمونه، بعيدة جداً، وقد يستلزم الوصل بين النص وبين الانسحاب حرباص وربما أكثر في الداخل أو على خطوط التماس المحلية والإقليمية.
وحسب ما فهمنا من النص والشروحات فإننا قد سلمنا بقلب المنطق الذي كان سائداً خلال المفاوضات ومؤداه إن الانسحاب السوري يتم بعد الانسحاب الإسرائيلي أو متزامناً معه، فصار الانسحاب السوري الآن شرطاً للانسحاب الإسرائيلي لا يتم إلا به، وهذا يعطي إسرائيل حق نقض إضافياص لأبطال مفعول الاتفاق، فتكون النتيجة خسارة محققة للبنان على الجبهتين مضافاً إليها واقعة تبرعه بتوقيع مجاني على اتفاق يقول فيه إيلي سالم نفسه “إن فيه شروطاً كنا نفضل ألا نقبلها، لولا الحرص على أرض الجنوب وشعب الجنوب.
… وما أكثر ما كان يمكن أن يقال في الاتفاق، بعد، لولا حقيقة مرة تغطي كل ما عداها، وهي: إن أكفأ محام في الدفاع عن هذا الاتفاق غير المرضي، وطنياً وقومياً، هو العجز العربي العام، وإن أعظم الحجج التي تستخدم وتتداول الآن لتبريره وتمريره هي بالضبط خلاصة المعطيات والمقولات بل المسلمات التي أطلقها مناخ الهزيمة وتكرست كملامح ثابتة لعصر الردة والتردي والانحطاط الذي يكاد يخنق آخر التماعة ضوء في هذا الوطن العربي الكبير.
لقد قالت الأجهزة الإعلامية للحكومة صانعة الاتفاق إن أغلب الأنظمة العربية، بل وعدتها فجعلتها عشرين دولة!!، تقف إلى جانبها مؤيدة ومباركة.
وحتى لو خصمنا النصف ونسبناه إلى المبالغة، أو إلى فن مط الكلمات الغامضة والمواقف الصامتة بحيث تعتبر تأييداً، فإن الواقعة التي تبقى ماثلة للعين والوجدان إن إسرائيل تنتزع لبنان من موقعه ومن انتمائه القومي على مرأى ومسمع من العرب جميعاً، جهاراً نهاراً، بل وإلى حد كبير برعايتهم وتأييدهم ومباركتهم.
وليست هذه حجة على الحكم في لبنان، بل هي حجة في يده عليهم جميعاً ما بين المحيط والخليج، خصوصاً وإن فيهم من فيهم من أصحاب الألقاب والأنساب وصولاً إلى العثرة النبوية الشريفة.
إن الواقع العربي الراهن هو المهين وهو المشين وهو المذل، وما يجري اليوم بين “خلده والخالصة التي صارت – بالقهر – كريات شمونة” هو بعض النتائج الفاقعة بل لعلها ليست الأكثر إيلاماً بين ما يفرزه هذا الواقع المدمر.
ألم يكن الاجتياح فالاحتلال الإسرائيلي للبنان، قبل عام تقريباً، وطرد المقاومة الفلسطينية، وإخراج الجيش السوري العامل في نطاق قوات الردع من مناطق عديدة، ثم حصار بيروت وتجويعها وتدميرها فاحتلالها بالكامل وتدبير المذابح ضد الفلسطينيين واللبنانيين في صقبرا وشاتيلا، وأنحاء أخرى.. أليس ذلك كله، بمواجعه القاتلة ، أكثر إيلاماً واقسى على النفس مما نشهد اليوم وجباهنا منخفضة؟!
على إن هذه الإدانة الصريحة والقاطعة للواقع العربي الراهن يجب ألا تقودنا إلى موقف نصبح فيه أشبه بمن يروج للعصر الإسرائيلي، أو بمن يحترف تزيين الانحرافات والتنازلات، ليصورها – من بعد – وكأنها الطريق الوحيد المتاح للتحرير واستعادة السيادة والاستقلال والكرامة المهدورة.
يجب أن يبقى باب الأمل مفتوحاً،
يجب أن تبقى روح المقاومة حية نابضة في الصدور وفي الزنود،
يجب أن يتبقى لنا ما نفعله إذا رفضت إسرائيل الانسحاب، وهي سترفض وستتنصل تحت أي ذريعة.
وليس بشتيمة العرب، وسوريا على وجه التحديد، واتهامهم بالتخريب علينا يمكننا أن “نحرر” لبنان، خصوصاً وإن المحتل الإسرائيلي لن يعدم ذرائع وأسباباً غير هذه لادامة احتلاله.
إن من حقنا أن نلوم حكام العرب، وأن ندين تخليهم وتقصيرهم الفاضح، ولكن من موقع شعوبهم ذاتها وبمنطقها ، منطق المطالب بتحملهم مسؤولياتهم تجاهنا وتجاه سائر الأقطار العربية، وليس بمنطق من يبحث عن حجة للخروج على عروبته ذاتهاز
فخطورة مثل هذا المنطق إنه يفقدنا ما تبقى من لبنان،
ولن يعوضنا أن يفرحنا أن يخسروا هم المزيد من أوطانهم، وأراضيهم،
فلنبدأ المسيرة الطويلة بحماية وحدة لبنان الوطنية،
وتلك هي المسألة في البدء وفي النهاية.

Exit mobile version