طلال سلمان

على الطريق “اتفاق” التقسيم!

أهم شهادة في “الاتفاق” وأعظم تزكية له صدرت ، أمس، عن مهندسه الأول وزير الخارجية الأميركي جورج شولتس.
فلقد قال شولتس ما مفاده ومؤداه إن “الاتفاق” قد يؤدي إلى تقسيم لبنان.
صحيح إنه ربط هذا الخطر برفض سوريا سحب قواتها من الأراضي اللبنانية، لكن أية مناقشة جدية لهذا المنطق تعيد الأمورإلى سويتها: فسوريا لم تعلن رفض الانسحاب إلا كنتيجة لتوقيع “الاتفاق” اللبناني – الإسرائيلي بشهادة (وكفالة؟) الولايات المتحدة الأميركية وبرعاية جورج شولتس شخصياً.
وبالتأكيد فإن جورج شولتس كان يعرف، أو يستطيع تقدير رد الفعل السوري على “مذكرة الجلب” التي أصدرها بحق دمشق عبر “الاتفاق” الذي رتبه بين بيروت وتل أبيب.
وبهذا فهو يتحمل المسؤولية كاملة عن النتائجن بما في ذلك خطر التقيسم، حتى لو كان سببه المباشر الرفض السوري للانسحاب.
إن التحريض المكشوف هنا، لا يلغي الواقعة الأصلية أي مسؤولية الولايات المتحدة عن النتائج المدمرة لـ “الاتفاق” وكائناً ما كان الرأي في الموقف السوري فإن الحقيقة الباقية، هي إن التصرف الأميركي “فعل” والتصرف السوري هو “رد فعل”.
ثم إن جورج شولتس قدم، بعد التحذير، مجموعة من الوعود السخية للسوريين، عبر إبداء تفهمه للعديد من “المسائل السورية – اللبنانية” و”المنطقة الأمنية” والترتيبات الخاصة بضمان أمن الحدود المشتركة… تطميناً للسوريين وتسكيناً لهواجسهم ومخاوفهم على سلامة بلادهم في مواجهة سياسة التوسع الإسرائيلية.
وخلص شولتس إلى إظهار استعداده للمساهمة شخصياً في لعب دور لإيصال اللبنانيين والسوريين إلى تفاهم يكفل تحقيق الطمأنينة المنشودة.
وإذا ما أردنا التبسيط فيمكن توصيف الدور الأميركي بأنه – وبلا أي مبالغة – العامل الأساسي في تقسيم لبنان وتفتيته.
لقد كان الأميركيون المهندس الأكبر للاجتياح الإسرائيلي للبنان، قبل سنة، بكل ما ترتب عليه من نتائج خطيرة على مستوى المنطقة ككل.
ثم إنهم هندسوا طريقة التعاطي مع هذه النتائج وتوظيفها بما يخدم المصالح الأميركية – الإسرائيلية المشتركة.
إلى أن “أنجزوا” الاتفاق إياه الذي يعطي إسرائيل كل ما تطلبه من لبنان بدءاً بالأمن، مروراً بالتطبيع، وصولاً على التبرئة الكاملة والاعتراف الرسمي بها كدولة.
كل ذلك على حساب لبنان الذي رأى إنه لا يملك أن يرفض العرض الأميركي “السخي” باعتباره العرض الوحيد الموجود، في غياب أي موقف عربي قادر وجدي في دعمه وتمكينه من مواجهة المطامع الإسرائيلية وإجلاء جيوش الاحتلال.
والآن ها هو شولتس يلوح للسوريين بإعطائهم حصة مماثلة في لبنان رداً على رفضهم “الاتفاق”.
وماذا يهم شلوتس أن يذهب بعض لبنان إلى الإسرائيلي وأن يلوح بإعطاء بعضه الآخر إلى السوري ، طالما إن “الاتفاق” قد أنجز وصار ممكناً استخدامه كورقة ممتازة في الانتخابات الرئاسية بما يضمن تجديد ولاية الرئيس ريغان وإدارته؟!
فـ “الاتفاق” لدى شولتس أهم من لبنان،
ولا بأس أن يكون ثمنه نصف لبنان أو ثلثي مساحته الصغيرة،
ثم إن الحجة جاهزة : لقد خرّب السوفيات جهود السلام الأميركية، ونسفت أطماع السوريين رغبة اللبنانيين في استعادة الاستقرار والازدهار وهناءة العيش مع الجار الإسرائيلي!!
وهكذا: تجتاحنا إسرائيل عسكرياً بموافقة أميركية مكشوفة،
وتكون الذريعة فلسطينية، ثم تجتاحنا سياسياً بـ “الاتفاق” وبرعاية أميركية مطلقة، بما يخلخل أسس وجود لبنان، وتكون الذريعة سورية.
أما جورج شولتس فقد ارتدى الأسود حداداً على حلم لبنان الموحد، بعد أن غسل يديه من دم الوطن الصغير، استعداداً للمشي في جنازته.
وعزيزة هي دموع شولتس ، لكنها بالقطع ليست أعز ممن يبكيه: من لبنان الذي جاء شولتس لنجدته فإذا هو يتبرع بكتابة نعيه عبر “الاتفاق” المشؤوم!

Exit mobile version