طلال سلمان

على الطريق إمبراطور من ورق…

كأنما جاءت إدارة بيل كلينتون لتعيد الاعتبار إلى مقولة ماوتسي تونغ الشهيرة من أن “أميركا نمر من ورق”!
فخلال شهور قليلة فقط خرج أو يهم بالخروج من الحظيرة الأميركية معظم الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة الأميركية، تستوي في ذلك معظم دول أوروبا الغربية واليابان،
على أن الملفت هو تجرؤ بعض الأنظمة المتهالكة والتي ما كان يمكن أن تستمر لولا الرضا الأميركي والتأييد الأميركي والمساعدة الأميركية المباشرة بالمال والسلاح والدعم السياسي والاحتضان الكلي عن طريق المخابرات المركزية الأميركية.
المفارقة أن بعض خصوم السياسة الأميركية السابقين، كبوريس يلتسين وبعض من اصطنعوا رؤساء في بعض الدول الأوروبية الشيوعية سابقاً، غدوا أقرب إلى واشنطن من حلفائها القدامى منذ نصف قرن، أي منذ الحرب العالمية الثانية.
وخلال الأيام القليلة الماضية صدرت في القاهرة وفي الرياض مواقف عن بعض من كانوا في مرتبة “الاتباع” أو “الاقنان” تكشف إلى أي حد قد هانت واشنطن على “أصدقائها” قبل خصومها… هذا إن كان قد تبقى لها خصوم!
فحين يصل الأمر بمسؤولين كمثل الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، وزير الداخلية في مملكة الصمت الأبيض والذهب الأسود، على شن الحملات على واشنطن ودول الغرب عموماً لأنها حاولت تقديم رعايتها “لجمعية حقوق الإنسان” ف الرياض،
بل حين يبلغ السيل الزبى فيهجم أنيس منصور، الصحافي المصري المعروف بقربه من تل أبيب وليس من واشنطن فحسب، على السياسة الأميركية ويتهمها بتشجيع “الحركات الأصولية” المناهضة للنظام المصري، لأنها تستضيف الشيخ عمر عبد الرحمن ولا تعتقله أو تطرده أو تسلمه إلى الأمن المركزي المصري،
حينذاك يكون ضرورياً البحث عن الخلل في قلب واشنطن، وتسقط المراهنات على الإدارة الأميركية الجديدة باعتبارها قيادة الكون ونظامه الجديد!
إن هذه الإدارة تفتقر إلى صديق واحد.
لقد ارتاحت الإمبراطورية الأميركية من الأعداء، لكنها تفتقر إلى حليف واحد!
حتى الذين كانوا في مرتبة ما دون الحليف يتطاولون الآن على “السيد” ويتجرأون عليه، مع وعيهم بأن لا خيار أمامهم غير استدرار عطف البيت الأبيض ورعايته.
وصحيح أن لا صداقة ولا تحالف بين القوي أكثر مما يجوز وبين الضعيف بأكثر مما يجب، ولكن هذه الإدارة الجديدة تخسر في الخارج والداخل بآلية متسارعة بما يعجزها فعلياً ليس فقط عن إدارة الكون، بل كذلك عن إدارة الولايات المتحدة الأميركية ذاتها.
على أن المفجع في أمر الانتقادات التي توجه من بعض “الاتباع” إلى “سيدهم” في واشنطن إنها تجيء اعتراضاً على إرادة شعبهم وعلى محاولة ممارسة حقوقه، وليس باسم شعبهم أو لصالحه.
لقد كانوا يريدون واشنطن قوة قمع في داخل أقطارهم، وليس مجرد قوة قمع عالمية تسقط العقائد والأيديولوجيات والمعسكرات والدول التي رفعت ذات يوم راية حق الإنسان في غد أفضل.
لقد افتقدوا واشنطن كقوة قهر لإذلال شعبهم باسم النظام العالمي الجديد، وهم يتشكون منها لأنها تركتهم مكشوفين في مواجهة قوى التغيير الفوضوية بعجرها وبجرها.
وهم بهذا لا يفعلون غير تحريض قوى التغيير هذه وغير طمأنتها إلى إنها لن تواجه إلا “قوتهم” هم ، وهذا ما سيدفعهم إلى مزيد من القمع والعسف وامتهان كرامة الإنسان بما يعجل بالتغيير ويبرره داخلياً وعربياً، ودولياً.
ولعل تلك هي الخدمة الوحيدة التي ستحفظ لإدارة بيل كلينتون، وإن كانت لم تقصدها ولا هي تريدها.
… ونعيماً يا مستر بوب، وقد رآك البعض شمشون الجبار، ورأتك هيلاري كما أنت وكما صار العالم يعرفك الآن مجرد إمبراطور من ورق!
وغني عن البيان إن كل أصدقائه، أيضاً من ورق!

Exit mobile version