طلال سلمان

على الطريق إلى جهنم السبب والمستفيد… لكنه دمي هذا الذي يجري!

إلى جهنم “أبطال” هذه الحرب جميعاً: جورج بوش وجون ماير وإسحق شامير وسائر الذين تسببوا وبروا ووفروا الذريعة أو روجوا أو سوغوا أو زينوا أو أفتوا بتدمير قطر عربي عظيم بحجة “تحرير” الكويت من الكويتيين والعروبة معاً.
فلحمي هذا الذي يؤكل. مجدي هذا الذي يهدم. دمي هذا الذي يسيل ويهدر في أنابيب النفط الأميركية فلا ينفع صناعات اليابان الدقيقة ولا هو ينعش مشروع الوحدة الأوروبية.
“عاصفة الصحراء” تجتاحنا… لقد صادروا حتى الصحراء التي كانت تستوطن القصيدة وغنة الشجن في ربابة العاشق المتيم،
وصادروا عقولنا، عيوننا، آذاننا وقدرتنا على التحليلن
هم يضربوننا، وهم يصفون مواقع صفعاتهم على كرامتنا وعزتنا، وهم يصفون وجعنا عبر ضحكات مراسيلهم في بغداد، غير بعيد عن أهداف الضرب… بل إنهم كانوا يتكرمون علينا فيسمعوننا عبر أقمارهم الصناعية صدى انهيار الكبرياء ونحيب دجلة.
… ونحن مجرد متفرجين بعيون بلهاء وأفواه مفتوحة وأدمغة مشلولة: لا نملك ما نفعل غير المتابعة الخرساء للتقدم الأميركي وهو يبهرنا بدقته المذهلة وحضوره الشامل في كل المواقع التي أخليناها أو تركناها فارغة للتعذر.
الضحايا يتفرجون على مواكب جنازاتهم.
عليهم الحرب، في سمائهم الحرب، فوق أرضهم الحرب، من أجل ثرواتهم الحرب، هم الذريعة والسبب، ولكن مجرد متفرجين على الماساة التي لا تبكي أحداً ولا تنفع أحداً إلا المهتمين بآثار الحضارات المنقرضة.
نتفرج على الحرب التي تقرر بداية جديدة للتاريخ متكوبة بالدم العربي، في حين أن العربي خارجه. نتفرج عليهم وهم يتفرجون على عاصمتنا تحترق وتتهاوى معالمتها وملامحها العصرية الأنيقة.
ونسمعهم وهم يصفون لشعبهم كيف ومتى (بالدقيقة والثانية) بدأ تدمير مستقبلنا وإحراق حاضرنا بعدما زودهم بعضنا بالثقاب والنفط.
نتفرج على آمالنا ترحل بعيداً، بعيداً، إلى ما خلف البحر الصحراء والشمس،
نتفرج على “احتمال” غدنا وهو يستحيل خرافة ويشطب من جدول الأخبار.
نسمع أسماء جراحنا بالإنكليزية، ونكتشف أن أحلامنا صارت أهدافاً تحت القصف،
لكأننا شهود زور ضد أنفسنا، بل لعلنا شهود ادعاء!
على أن ما يطمئن أن سعر برميل النفط قد ارتفع إلى أربعين دولاراً… أي أغلى قليلاً من دمنا القاني!
إلى جهنم بسبب والمسبب، الذريعة والمستفيد،
فلحمي هذا الذي يؤكل نيئاً،
عراقي هذا الذي يضرب من البحر والبر والجو،
وليس يعنينا مصير صدام حسين ومن حرضه ودفعه وأغواه بخوض هذه المقامرة بالعراق العظيم، شعباً وجيشاً وإنجازات كنا نحتسبها في رصيد الغد الأفضل والنصر المترجى على العدو القومي المتربص الآن لاستغلال النتائج والإفادة منها كشريك مضارب،
عراقنا هو الذي يعنينا،
ولن تعوضنا “استعادة” الكويت خسارة العراق، عراق الحضارة التي كانت والحضارة التي كنا نمني النفس ببنائها يوم نلج العصر بقدم ثابتة.
وحين كنا نجهر ونرفع الصوت برفض الحرب فلأننا كنا نعترف قدر ما نعرف إننا لسنا جاهزين لها، إضافة إلى كوننا غير مقتنعين بأسبابها ومبرراتها.
فقرار الحرب، في ما يعني العرب، هو قرار بحت فردي، أما نتائجها فعلى مجموع الأمة “المجيدة” والمكبلة بالعجز والقهر المعتق والتغييب عن القرار.
ومن واقع تجربة النظام العراقي ذاته فإن المواطن العربي يدفع من دمائه ومن رزقه ثمن الحرب الخاسرة مرتين: أولاً في الحرب ذاتها (وهو مساق إليها بغير إيمان وبغير دافع جدي وبغير رغبة) ثم على يد النظام المستمر بعد الحرب وبرغم مسؤوليته المباشرة عن نتائجها المريعة سواء في أعداد الضحايا أو في الكوارث الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية وصولاً إلى السياسية.
إن صاحب القرار بالحرب الخاطئة والخاسرة يبقى بمعزل عن نتائج “حربه” وسواء انتهت بهزيمة ساحقة أم بهزيمة محدودة.
وهو ذاته يذهب في كل عيد إلى مقبرة الملايين ليقرأ الفاتحة على أضرحة ضحايا الهزيمة في الحرب التي فرضها على شعبه… وقد يخطب واعداً بالمزيد من الحروب والانتصارات!
ونحن، العرب، لم نعتد على الحرب إلا خاطئة في مكانها أو في زمانها أو شعارها أو وجهتها.
نادرة جداً هي الحالات التي سمح فيها للعرب، كشعب أو كأمة، أن يخوضوا “حروبهم” هم ضد أعدائهم “هم” وليس حروب حكامهم أو المتحكمين فيهم.
وعلى امتداد العشرين سنة الأخيرة كانت الحروب التي لما تتوقف حروباً أهلية عربية في طابعها العام. ولقد استنفدت هذه الحروب الخطأ، في الأمكنة الخطأ، وبالشعارات الخطأ حيوية الأمة وقدرتها على الصمود والمقاومة ومواجهة عدوها القومي الذي ما زال يحتل أرضها ويتوسع فيها، وكذلك على مواجهة الغزو الخارجي حين جاء متذرعاً بخطأ عربي ومتلفعاً بإرادة دولية.
كذلك فإن الحروب الأهلية التي لم تتوقف تقريباً في مختلف أرجاء الوطن العربي قد أنهكت المواطن العربي، ودمرت قيمه وعلاقته بالحياة وجعلته مستودعاً للأمراض والأحقاد والأورام السياسية والطائفية والعنصرية الخبيثة.
لكنه العراق…
لحمي هذا الذي يؤكد. مجدي هذا الذي يهدم. دمي هذا الذي يعطي دجلة لون الأرجوان ويعطر عاصمة الرشيد بشميم النجيع ورائحة الأحلام والأماني المحترقة.
إلى جهنم السبب والمسبب، الذريعة والمستفيد،
ولكن من ينقذ العراق… وسائر الأمة؟!

Exit mobile version